الاثنين، 9 يونيو 2014

الترجمة ما بين العلم والفن والذوق الأدبي

ما هي الترجمة

الترجمة ما بين العلم والفن والذوق الأدبي

هل هي نقل معنى كلمة، أو جملة أو فقرة أو نص من لغة الى لغة أخرى
١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٤بقلم زياد مشهور مبسلط
لو سلّمنا بهذا المفهوم، لكان الأمر في غاية البساطة ؛ وهكذا، فإن كل شخص بإمكانه فتح المعجم ونقل المعنى، وكان الله بالسر عليما، وبالتالي يصبح كل شخص قام بهذه المهمة اليسيرة البسيطة مترجما 
وعلى ضوء هذا التعريف، لا اعتقد أن هناك تخصص أو مجال أسمه الترجمة، وعليه، لايمكننا اعتبار فلان مترجما كصاحب مهنة يشار اليها، ويتم تصنيفها مثله مثل الطبيب، المهندس، المحامي ...الخ
ولكن المفهوم الصحيح يختلف اختلافا ً كليا و تاما عن هذه النظرة الخاطئة والمفهوم المغلوط
* * *
إن الترجمة هي علم وفن وذوق، ولها عالمها الخاص ومجالها الواسع، وهي حقل من اهم حقول المعرفة التي لها جذورها الضاربة في التاريخ، كما أن لها اختصاصاتها وتشعباتها وتخصصاتها الدقيقة ايضا ؛ فهناك الترجمة العلمية البحتة التي تتشعب على سبيل المثال لا الحصر الى الطبية، الهندسية، القانونية، والتي بدورها ايضا تتفرع الى ماهو ادق واكثر تفصيلا!
أما المترجم فهو يجلس في كل لحظة أمام اختبار دقيق، وهذا الأختبار لايدركه الا من كان له باع طويل في هذا المجال حيث يدرك مع مرور الزمن ان الترجمة ليست نقل معنى من لغة الى اخرى بمقدار ماهي فن وذوق وجمالية
واسمحوا لي أن اضرب امثلة بسيطة على هذا السياق ؛ لو قلنا أن
A thief escaped 
يمكننا أن نعطي لها المعنى التالي، وهو بطبيعة الحال صحيح، وهو 
هرب اللص 
ولكن، جمالية المعنى وفن الترجمة يعطينا صياغة أجمل من ذلك مع المحافظة على المعنى ذاته، ومن هنا نقول
لاذ اللص بالفرار
ومثال آخر : 
A beautiful garden 
حديقة جميلة 
مع ان الصياغة الأكثر فنا وذوقا وجمالية هي أن نقول 
حديقة غنّاء
* * *
وبهذا، ربما تتفقون معي أن الترجمة هي علم وفن وذوق في آن واحد 
وعلى هذا الأساس، ربما يجلس المترجم في حيرة من امره ؛ فأي المفردات او الصياغات هي الأجمل والأكثر تعبيرا وتاثيرا، وهذا بطبيعة الحال يتعلق بالنصوص الأدبية والأعمال الثقافية والفكرية والآعلامية ايضا .
* * *
هناك مستجدات تطرأ على لغة التخاطب والصياغة لابد! للمترجم أن يواكبها لتكون ترجمته قريبة من المنطق المتداول والمفردة الشائعة حتى لاتكون نصوصه المترجمة غريبة عن هذا الواقع، وهذه الأمور غالبا ماتستجد في ميدان الصحافة والآعلام مما يتطلب من المترجم أن يكون ايضا على اطلاع واسع ومستمر على مثل هذه المستجدات في الصياغة ؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر دخلت تعبيرات عديدة على الخطاب الأعلامي والسياسي العربي منها = الحالة ... =، تناول الموضوع = كحزمة أو رزمة واحدة =، = فترة التبريد =، ... الخ
* * *
يمكنني ان اخلص الى القول بأن الترجمة علم وفن وذوق، ولا بد من التخصص بإحدى مجالاتها تخصصا دقيقا، وينبغي على المترجم أن يكون على اطلاع مستمر ليواكب تطورات الصياغة للمفردة والعبارة في مجال تخصصه، لاسيما إن كان في المجال الذي يقتضي اضفاء روح الجمالية على النص مع المحافظة على أمانة المعنى الصحيح للنص.

السبت، 7 يونيو 2014

حفل اختتام الدورة الأساسية في الترجمة التحريرية والشفوية


اختتمت فعاليات الدورة الأساسية في الترجمة التحريرية والشفوية على شرف سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية إندونيسيا الأستاذ مصطفى بن إبراهيم المبارك، يوم الجمعة الموافق 1 شعبان هـ / 30 مايو 2014م، في فندق ساهاتي – جاكرتا.

بدأ البرنامج بتلاوة آي من القرآن الكريم يرتلها أحد المتدربين الأستاذ / أحمد لقمان، ثم كلمة المتدربين ينوب عنهم الأستاذ / محروس عبد الرحيم عبد الغني، ثم كلمة المدربين ينوب عنها الدكتور محمد الشواي، وتليها كلمة مدير معهد العلوم الإسلامية والعربية الدكتور خالد بن محمد الدهام، وكلمة عميد معهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب، الدكتور أحمد بن عبد الله البَنْيَان، وكلمة ممثل وزارة سكرتارية الدولة في جمهورية إندونيسيا، مساعد رئيس قسم إدارة الوثائق والترجمة، الأستاذ هارنووو، وكلمة سفير خادم الحرمين الشريفين الأستاذ مصطفى بن إبراهيم المبارك، وانتهى البرنامج بتسليم الشهادات للمتدربين.

وكانت الكلمات التي قدمت بالعربية قام بعض المتدربين بترجمتها إلى اللغة الإندونيسية ترجمة شفوية تتابعيّة، والتي ألقيت بالإندونيسية ترجمها أحد المدرِّبين إلى العربية ترجمة شفوية منظورة تتبعية، ولم تكن هناك ترجمة شفوية فورية، كما طبقت في بعض الأنشطة التدريبية في هذه الدورة الأساسية الأولى للترجمة التحريرية والشفوية (اللغة العربية – العربية) التي استمرت تسعة أيام في الفترة من (21-31/5/2014م) (أبو عادل عبد الرحيم)

زر كذلك صفحة مجلة الأرخبيل

الخميس، 5 يونيو 2014

في معنى كلمة علم

د. صالح السلطان
وردت كلمة علم في القرآن الكريم مرات كثيرة، كقوله تعالى "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" النساء: 162، وقوله "يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني" مريم: 43، ومعلوم بداهة أن العلم في الآيتين مقصود به علم الدين، وليس علوم الكون كالأحياء والهندسة والإحصاء والاقتصاد ونحوها. وعلى هذا المعنى جاءت التسمية "كبار العلماء" أي كبار علماء الدين.
أما في اللغة العربية، فقد جاء في المعجم الوسيط "العلم إدراك الشيء بحقيقته، والعلم اليقين، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يحب، والعلم المعرفة. وقيل العلم يقال لإدراك الكلي والمركب، والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط.
ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية يجمع تجمعها جهة واحدة، كعلم النحو وعلم الأرض والجمع علوم. وعلوم العربية العلوم المتعلقة باللغة العربية كالنحو والصرف والمعاني.
وانتشرت في عصرنا هذا عبارات من قبيل القسم العلمي والكليات العلمية. والعلمي في هذه العبارات وأمثالها ترجمة للكلمة scientific، وهي الصفة من الاسم ساينس science، كما هو معروف في اللغة الإنجليزية، وجاء في قاموس أكسفورد المشهورOxford Advanced Learner's Dictionary، الطبعة السابعة (2005) ما يلي عن معنى ساينس:
1 - معرفة حول تركيب وسلوك العالم الطبيعي والمادي، بناء على حقائق يمكن إثباتها، مثلا بالتجارب.
1-knowledge about the structure and behaviour of the natural and physical world, based on facts that you can prove, for example by experiments.
2 - نظام لترتيب المعرفة حول موضوع بعينه.
2 - a system for organizing the knowledge about a particular subject
ويقصد بها العلوم التي تتناول العالم الطبيعي والمادي، والعلوم الاجتماعية.
وجلب اختيار علم ترجمة كلمة science إشكالات، مثلها في ذلك ترجمات كثيرة. فمن الإشكالات أن الفقه، ليس بعلم، لأنه ليس ساينس، خاصة حسب المعنى الأول. وتبعا لذلك، الفقهاء ليسوا علماء، وهذه نتيجة الترجمة المشوهة. وعندما أدخلت مادة science الساينس في مراحل التعليم العام، كان من الصعب تسمية المقرر علما، ووقع الاختيار على كلمة علوم، وهي جمع علم. وهو الاختيار نفسه لتسمية الكلية التي تدرس علوما كالفيزياء والكيمياء أي كلية العلوم sciences.
وكما ذكرت في القسم الثاني، تنتهي بعض الكلمات في اللغة الإنجليزية باللفظة اللاحقة ics لتعني علم أو دراسة أو معرفة كذا. ومن هذه الكلمات economics التي ترجمت إلى علم أو دراسة الاقتصاد. ومن الأمثلة الأخرى، physics وتعني علم أو دراسة الطبيعة وstatistics وتعني علما أو دراسة الإحصاءات، وmathematics التي تعني علما أو دراسة الأرقام والأشكال ونحو ذلك. ويفهم من اللفظة اللاحقة ics أن تلك العلوم قائمة على المنهج الساينسي.
والعلوم الطبيعية أو التجريبية أدق من العلوم الاجتماعية والإنسانية، وأكثر العلوم الطبيعية دقة هو علم الفيزياء، لكن حتى هذا العلم تقع فيه الأخطاء، فالفيزيائيون بشر يخطئون، بل قد يجمعون على الخطأ لفترة من الزمان.
المنهج العلمي (الساينسي)
ويكثر في الوسط الأكاديمي والبحثي استخدام عبارة المنهج العلمي ترجمة للتعبير الإنجليزي scientific method، ويقوم هذا المنهج على أربع قواعد أو افتراضات:
العلية أو التعليل: لا يمكن للأشياء أن تحدث أو تتغير من دون أسباب. وهذا يعني العلية في تفسير الحوادث. ومن هذا فسر نيوتن سقوط التفاحة من الشجرة بوجود الجاذبية سببا للسقوط.
الحتمية: لا يمكن حدوث شيء آخر، إذا حدث شيء وبقيت الأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك الحدث قائمة كما هي من دون تغيير. وعلى ذلك فإن تكرار التجربة دون أي تغيير لا بد أن يعطي النتائج نفسها.
الانتظام: الكون منظم ويجري وفق قوانين، والأحداث تجري بطريقة منتظمة systematic، ولولا ذلك لما أمكن الوصول إلى قوانين في العلوم كعلم الفيزياء والكيمياء والحيوان ووظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) Physiology والتشريح والمرض Pathology والفلك وغيرها.
القدرة: قدرة الإنسان على اكتشاف قوانين الطبيعة.
وهناك ثلاثة مطالب أساسية عند عمل بحث علمي أي ساينسي: أن تكون الواقعة المدروسة قابلة للتجريب أو أمبريقية، أي يمكن التعرف عليها بالحواس، وثانيا أن تتاح الملاحظة لكل من يرغب في الاطلاع، وثالثا يمكن الحصول على النتائج نفسها عند إعادة البحث نفسه، سعيد التل (2006). ومن ثم فإن التفكير العلمي (الساينسي) يتأسس على الإثبات التطبيقي (أي الإثبات القائم على الاختبارات لإثبات الصحة)، والتعليل المنطقي.
وجنحت العلوم الاجتماعية إلى تطبيق المنهج العلمي أي الساينسي scientific method في بحوثها. أما علوم الدين فطبيعة المنهج الساينسي لا تصلح للتطبيق عليها، وتبعا لذلك، ليس من شأن الساينس والمنهج الساينسي إثبات، مثلا، تأثير الدعاء أو صلة الرحم في العمر أو الرزق. ومن ثم لا تدخل علوم الدين في مسمى ساينس لدى عامة الجهات الأكاديمية والبحثية في العالم.
المصدر

الأحد، 30 مارس 2014

"إبداع" تطلق أول كتاب جماعي للأدب المترجم


الأحد 30/مارس/2014 - 10:25 ص
إبداع تطلق أول كتابعمرو حلمي
 
أطلقت مؤسسة إبداع للترجمة والنشر والتوزيع حملة للاشتراك في الكتاب الجماعي الأول لروائع الأدب العالمي المترجم، إيمانًا منها بأهمية الأدب العالمي المترجم، ودور الترجمة في إضفاء قيمة جيدة على الحياة الأدبية في الوطن العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة.

وعلق عيد إبراهيم عبدالله المدير العام للمؤسسة على هذا الكتاب قائلا: إن هذا الكتاب هو مرحلة أولية في مشروع "ترجمة 100 كتاب" والذي تبنته مؤسسة إبداع في بداية العام، بالإضافة إلى أن العديد من الأعمال المترجمة سترى النور قريبًا"، مضيفًا: أنه يأتي هذا في الوقت الذي تفردت فيه مؤسسة إبداع في اهتمامها بالكتاب المترجم، أملا في إحياء المشروعات القومية للترجمة ورغبة في العودة بمصر إلى سابق عهدها من حيث الريادة في حركة الترجمة العربية.

جدير بالذكر أن مؤسسة إبداع بدأت بالفعل في تلقى طلبات المشاركة في الكتاب الجماعي المترجم الأول كمبادرة جديدة تلفت نظر الجميع إلى أهمية الأدب العالمي المترجم في إضفاء فكر جديد ومختلف على الواقع الثقافي في مصر.

الجمعة، 21 فبراير 2014

المترجم أدهم مطر: المترجم القادم من خلفية أدبية أكثر اتقاناً من الدارس

17 شباط 2014

.


ربط بين موهبته الأدبية واحترافه لفن الترجمة فقدم نصوصا تميزت بالأمانة والإضافات الإبداعية من خلال صياغة التعابير المترجمة واستطاع أن يحفر على جبين الإبداع اسمه كمترجم عربي محترف وعاشق لفن الترجمة.
المترجم ادهم مطر وهب حياته للترجمة ورأى فيها بابا يفصل بين عالمين قد يكونا متشابهين وغريبين بذات الوقت لدرجة مدهشة مؤكدا في أن حارس باب الترجمة الفاصل بين هاتيك العوالم هو المترجم الذي يقبض بفكره على مقبض ذلك الباب الذي ما إن يفتح حتى يمتد جسر التواصل الفكري والمعرفي بين العوالم.
ويعتبر مطر أن المترجم كالطاهي المحترف يجب أن يكون لديه ما نسميه النفس الطيب والخبرة اللغوية مشيرا إلى أنه إذا أعطي نص واحد لعدة مترجمين وكل مترجم قام بترجمة ذات النص سيظهر مدى الاختلاف في الطريقة والصياغة وحتى انتقاء المعاني من النص الأصلي.
ويؤكد مطر أن المترجم القادم من خلفية ادبية اكثر اتقانا وحرفية من المترجم الدارس فقط والذي تأتي ترجمته جافة باردة تشبه ترجمة الوصفة الطبية الموجودة بعلب الأدوية معتبرا أن العروة الوثقى للمترجم المحترف هي الأرضية الأدبية الصلبة. ويتحدث مطر عن بداياته في الترجمة مشيرا الى أنها كانت في المرحلة الثانوية حيث تأثر بمدرس اللغة العربية الذي كان مهووساً أيضاً بجمال اللغة العربية وكان لأسلوبه المميز بالغ الأثر في تقمصه لطريقته في السرد والشرح وانتقاء الصور البيانية بل واصطياد المعاني القوية والموءثرة إن كانت تأليفا أو ترجمة ويشير الى تأثره ايضا بأستاذ اللغة الانكليزية الذي كان يسحر الطلاب بطريقة إلقائه وبتشجيعه وهكذا اجتمعت لديه أدوات الكتابة وتقنيات الترجمة التي عززها اساتذة الجامعة.
وفي رده على سؤال حول ارتباط الترجمة بالموهبة يعتبر ان الترجمة أمانة ولذلك يصر على وضع جملة تقول حرفيا.. إن كل ما ورد في هذا الكتاب انما يعبر عن رأي وأفكار المؤلف وقد تمت الترجمة بامانة وحياد المترجم.
وحول قضية الأمانة في نقل النص المترجم يشير مطر الى انها شكلت مفهوما ومفتاحا للمشتغلين بنظرية الترجمة معتبرا أن الأجوبة تتأرجح بين الاعتناء بالأشكال اللسانية للنص المصدر وبين التكيف الحر مع النص فبالنسبة للبعض تكون الترجمة أمينة للنص عندما تحترم المحتوى العام له وبالنسبة للبعض الآخر فالأمانة للنص هي الترجمة الحرفية ترجمة النص كلمة كلمة.
وحول التطور الذي حققته الترجمة بالأدب يعتبر مطر أن الإبداع بنية لغوية ذات دلالة إيحائية فليس التواصل في الإبداع إلا هذه الدلالة الإيحائية النابعة من بنيته اللغوية الخاصة وإذا كان أمر الإبداع على هذا النحو يطرح إشكالية التواصل في أي عملية إبداعية على مستوى اللغة المصدر من حيث كون الدلالة التعيينية تتحول إلى دلالة إيحائية فإن الترجمة الأدبية تطرح إشكالية مزدوجة ذلك لأنها تحاول إيجاد بديل ترجمي للدلالة الإيحائية من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف ومن هنا كانت إشكالية العلاقة بين الدال والمدلول في الترجمة الأدبية وهي إشكالية في غاية التعقيد.
ويؤكد مطر على أن البنية الإحالية التي يتضمنها النص الأصلي المنقول إلى لغة مختلفة الأنساق النحوية والبلاغية والمعجمية والمشحونة بالأبعاد الحضارية والثقافية والاجتماعية تتغير إلى قراءة تتسم بالاصطناع ورهافة المقصد وقصدية المعنى ما يجعل ترجمة النص الأدبي عملا محفوفا بالمزالق والانزياح المبالغ في صقل المعنى في كسوة إما فضفاضة وإما شديدة الالتصاق إلى حد الاختناق لأجل ذلك كانت الترجمة الأدبية من أصعب أنواع الترجمات لأنها تعتمد بصورة كبيرة على التذوق والتماهي مع خيال المبدع لتكون صورة الترجمة والمادة الأدبية إبداعية غير حرفية.
ويعتبر أن الترجمة الأدبية هي علم وفن ومهارة ذلك أن الترجمة الحرفية لا تعطي النص المترجم حقه أو لونه الفني ومدى رفعته وتأثيره في لغته الأصلية فالمدلول في النص الأدبي عائم لا يستقر على حال ولا يشير إليه الدال الحرفي.
ويشير إلى أن الترجمة الأدبية تتباين عن العلمية فهي من أصعب أنواع الترجمات لاعتمادها بصورة كبيرة على جوانب عدة علمية وفنية ومهارية وذوقية وهذا يتطلب روحا إبداعية لتكون صورة الترجمة والمادة الإبداعية غير حرفية.
ويطرح مطر صعوبات الترجمة الأدبية والتي تتمثل في غموض الإبداع وعدم فهم اللغة المصدر واستيعابها وعدم معرفة حضارة اللغة التي يترجم منها وإليها فالترجمة الأدبية تشدها وتحكمها اللغة بوصفها رؤية للعالم من جهة وحضارة هذه اللغة باعتبارها مهدا لها من جهة أخرى فضلا عن أن الترجمة الأدبية هي الأمانة على المعنى أكثر مما هي أمانة على اللفظ.
ومن الإشكالات التي أفرزتها الترجمة الأدبية والتي تتصل بجوهر نظرية الترجمة مفهوم التناظر أو التعادل بين النص المترجم الذي صيغ بلغة الهدف وبين أصله في لغة المصدر فالتناظر مفهوم إشكالي خلافي ينطوي على إشكالية كبيرة ومعقدة لا تتصل بالمضمون فحسب بل بالجانب الأسلوبي والجمالي ذلك أن تحقيقه هو مطلب الترجمات علمية كانت أم أدبية ويضاف إلى ذلك إشكالية ترجمة النصوص ذات الأسلوب التهكمي والفكاهي والساخر فما يثير الضحك والسخرية في لغة ما قد لا يثيرها في لغة اخرى. ومن ترجماته 1/ تاريخ الشرق الاوسط لبيتر ما نسسيلد 2/ كيف يكسب الضعفاء الحروب ايفان اريغرين 3/ فن الحرب استراتيجية القرن الحادي والعشرين لـ /الن ستفنيز/ ومن مؤلفاته القصصية الميت الذي عاد.

محمد الخضر
سانا

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

معجم الفردوس وعظمة اللغة العربية

نبيل الحيدرى


معجم الفردوس فى ألف وستمائة صفحة كبيرة فى جزئين ضخمين هو مرجع فريد فى عظمة اللغة العربية وآفاقها حيث يرجع كثير من الكلمات الإنكليزية إلى أصول عربية. لقد قام د. مهند الفلوجى مؤلف هذا المعجم الكبير بمجموعة محاضرات عامة فى العاصمة البريطانية لندن حول كتابه (معجم الفردوس) وفى نوادى عربية مختلفة
فكرة الكتاب نشأت عند المؤلف قبل 24 عاماً حينما وقع فى يده عن طريق الصدفة  كُتيب صغير مؤلفه مصري يبحث في تاريخ الطب والجراحة حيث يكتشف أنَّ القِرَدة كانت تُشرَّح على ضفاف نهر دجلة ببغداد فى العراق. ومن هنا بدأ اهتمام الفلوجي باستخراج وجمع المصطلحات الطبية ذات الأصل العربي. 
يتعجب الفلوجى من عدم ذكر معاجم اللغات الاوربية للكلمات من اصل عربي الا بعدد محدود جداً لايكاد يتجاوز مئات معدودة وهو 333 كلمة فقط. وهو امر عجيب فى رأيه لايتناسب مع ضخامة الاسهام العربي خصوصا في زمن الدول الاسلامية بمراكزها المتعددة بالعلوم والاداب وما تركته من كتب وتصنيفات في مجالات التفكير الانساني ، كما لايتناسب مع الاتصالات الكثيرة والكبيرة ومواقع التاثير خلال العصور  حتى رأينا الحروف العربية في اقصى الصين شرقا مرورا بجزر الملايو وحتى السويد شمالا. لقد تباينت لغات البشر بانتشارهم في اصقاع الارض ولكن ذلك لم يمنع من بقائهم مشتركين في الفاظ كثيرة تثير الدهشة لانطباق اصواتها ومعانيها وسياق استعمالاتها وان عانت بعضها من تحريف  للشكل الخارجي حتى صعب التعرف على اصولها وان كانوا مختصين بها، ولعل ابناء اللسان الاصلي للغة الام احرى بالقيام بمهمة التحري واستنباط الاصول المتشابهة الجذور حتى وان تشابكت مع فروع غريبة ودخيلة
ذكر المؤلف أن أول معجم عالمى هو  الألواح الطينية السومرية، المكتوبة باللغتين السومرية والأكدية تعود إلى 2300 سنة ق. م. أما المعجم الثاني فهو "أورو هوبللو" الذي يعود إلى بداية الألفية الثانية ق. م ويضم "24" لوحاً طينياً. وحاول تحليلها وإرجاعها إلى أصولها. وأما المعاجم العربية فهى مثل "كتاب العين" للفراهيدي في القرن الثامن الميلادي، ولسان العرب لابن منظور في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم قاموس المحيط للفيروزآبادي في القرن الرابع عشر الميلادي وهو مهم جدا. ثم ذكر المعاجم الإنكليزية حيث أول معجم إنكليزي قد أُلِّف من قبل روبرت كودري عام 1604، ثم بعده قيام صموئيل جونسون بتأليف معجم اللغة الإنكليزية عام 1755م، وأصبح بدايةً لمعجم أكسفورد المعروف والمطبوع عام 1884 فهى متأخرة زمانا عن معاجم اللغة العربية وقام بمقارنات بينها حيث يظهر تأثير اللغة العربية ومعاجمها الأولى على كلمات المعاجم الإنكليزية الأولية
معجم الفردوس يقدم تحليلا يتناول الاف المفردات العربية التي استعيرت من قبل لغات اخرى اشهرها الانكليزية كونها كما يقول المعجم لغة محدثة لم تزد عن 600 سنة فقط وقامت اساسا على الاستعارة من شتى اللغات الاخرى
 تحدّث الفلوجى عن العربية كأمّ للغات كلها (السومرية-الاكدية، والآرامية -السريانية، والفينيقية، والعبرية ، واللغات الأوروبية ) وان العربية هي الاصل وهى لغة الاسلام بل ولغة التداول العالمي لنظام العالم القديم ا
و”الفردوس” معجم إنجليزي – عـربي للكلمات الإنكليزية ذات الأصول العـربية بعد ضبطها بالمعايير العلمية كالتشابه الصوتي، ودراسة معانيها، وشكل حروفها، واستعمالها النحوي. في المعجمُ أكثر من 3000 جذر كلمة إنجليزية والتي تشكل قرابة 25,000 كلمة من أصل عربي
يعتبر الكتاب أول مرجع شامل من نوعه في (التأثير العـربي على اللغة الإنكليزية)، يساعد في الكشف عن قنوات التفاعل بين اللغتين العربية والإنكليزية، ويعزز التواصل اللغـوي والتفاعل الثقافي بين الشرق والغرب في عصر العـولمة .
يبحث المؤلف فى سعة اللغة العربية وعظمتها والكم الهائل من الكلمات للتعبير حيث العدد الكبير لأسماء مثل السيف، الأسد، الكلب والعسل .. أما مراحل الحُب فتبلغ في العربية إثنى عشر مرحلة وهي "الهوى، العلاقة، الصبابة، العشق، الكلف، الشغف، الغرام، الجوى، التبتل، التتيّم، التدليه والهيام". ثم يذكر كلمات عربية لا نظير لها باللغة الإنكليزية أو باللغات الأخرى منها "تيمّم، فقه،عورة، عرض، حسنة، سيئة، حِسبة، حلال، حرام...
وفى مقارنته لعدد الكلمات فى اللغات المختلفة يظهر تمايز العربية حيث أنّ المعجم الروسي يحتوي على "130,000" كلمة وتعتبر قليلة جدا ، كما يحوي المعجم الفرنسي على "150,000" كلمة، بينما المعجم الإنكليزي يضم 400,000" إلى "600,000" كلمة كما يقول  روبرت كلَيبورن في الصفحة الثالثة من كتابه "حياة وعمر اللغة الإنكليزية" الصادر عام 1990، أما معجم اللغة العربية فيحتوي على "12,302,912" كلمة كما يذكر  شوقي حمادة في معجم عجائب اللغة. كما ذكر بأن الأمم المتحدة قد اعترفت باللغة العربية كلغة ثالثة بعد الإنكليزية والفرنسية، ثم أضيفت الصينية والروسية والإسبانية لتصبح ست لغات للتداول العالمي.
تحدث الفلوجى عن عصر الخلافة العباسية والدور المتميز للترجمة وأهمية العلم واللغات آنذاك ودورها فى انتعاش العلم والمعرفة فى خدمة البشرية
تحدث أيضا عن مجالات متعددة لتلك الدراسة الأكاديمة فى كلمات من الطب والجراحة والتشريح والنباتات والحيوانات والأعشاب والتوابل وغيرها مما يفتح المجال واسعا على مصراعيه لدراسة المجالات المختلفة والعلوم الأخرى فهو خطوة أولى تنتظر خطوات لتتمة المشروع الفريد المتميز
يذكران الفلوجي حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة بغداد وهو الخريج الاول على دفعته عام 1976 وشهادة الدكتوراه في الطب والجراحة من جامعة لندن كما اصدر ثلاثة مراجع علمية مطبوعة باللغة الانكليزية ، وله اكثر من سبعين بحثا باللغة العربية .


الأحد، 10 نوفمبر 2013

تعريف الترجمة وأنواعها

ربما يتساءل البعض: أتحتاج الترجمة إلى تعريف؟
فأقول, إي, لأن هذا العلم من أقدم العلوم التي احتاجها البشر منذ أن جعلنا الله "مختلفا ألسنتنا".
وأبسط التعريفات وأدقها هو: "الترجمة هي نقل نتاج لغوي من لغة إلى أخرى".
و"النقل" هو عملية الانتقال من لسان إلى آخر. و"النتاج اللغوي" هو أي نتاج عن استعمال الإنسان لسانه للكلام أو يده للكتابة على حد سواء, فكل ما ينتجه الإنسان كلاما أو مخطوطا هو نتاج لغوي. و"من لغة إلى أخرى" يدل على المنطلق والمنتهى اللذين يسعى بينهما النتاج اللغوي في اتجاه واحد أو في اتجاهين كما هو الشأن في الترجمة العكسية.
والترجمة أنواع:
منها "الترجة المكتوبة" وهي ترجمة نتاج لغوي ملفوظ أو مكتوب إلى نتاج ترجمي مكتوب بإتاحة مدة زمنية للمترجم تفصله عن تاريخ نشأة النتاج اللغوي المزمع ترجمته.
ومنها "الترجمة الملفوظة" وهي ترجمة نتاج لغوي ملفوظ أو مكتوب إلى نتاج ترجمي ملفوظ وكذلك بإتاحة مدة زمنية للمترجم.
ومنها "الترجمة الفورية" وهي "مكتوبة" أو "ملفوظة" وليست ملفوظة فقط كما يظن البعض. وتتميز هذه الترجمة بعدم إتاحة مدة زمنية للمترجم بين نشأة النص أو تقديمه للمترجم وبين عمله الترجمي. وعليها قد يضطر الترجمان إلى ترجمة كلام قيل للتو أو نص كتب قبل دقائق ترجمة فورية دون تفكير ودون مراجعة. وهذه الترجمة هي الأصعب وهي التي تكثر فيها الأخطاء والاختزالات وتتطلب مجهودا ذهنيا جبارا.

بوركتم وسلمتم.

المصدر

الخميس، 7 نوفمبر 2013

معوقات ترجمة ونشر الادب العربي الى اللغات الاجنبية

الخميس، 7 تشرين الثاني، 2013
لا اريد هنا ان اقوم بعرض مستفيض للواقع الحالي لحركة ترجمة ونشر الادب العربي في اللغات الاجنبية وانما يهمني هنا ان اطرح عدد من الكوابح والمعوقات... ارى من الضروري تناولها بحكم اهتمامي بقضايا الترجمة.
هناك نقطة بداية تفرض نفسها في مقدمة هذه المشكلات، الا وهي احصاء الاعمال العربية المترجمة الى اللغات الاجنبية. فهناك حاليا بين ما يقرب من (كذا) عنوان مترجماً لمؤلفين عرب. واذا نظرنا الى تواريخ صدور هذه العناوين، وجدنا ان حركة ترجمة بعض النصوص العربية المعاصرة كانت قد بدأت في الخمسينات ثم توقفت تقريباً في الستينيات والسبعينيات ثم نهضت نهوضاً ملحوظاً في الثمانينيات والتسعينيات، وبقيت تراوح الى نهاية العقد الاول من هذا القرن بواقع كتابين او ثلاث كل سنتين. فما اسباب هذه الفوارق من حقبة الى اخرى؟!
لقد شهدنا منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي حركة ترجمة لبعض الاعمال الادبية العربية المعاصرة، وكانت هذه الحركة في جملتها امتدادا لعمل الاستشراق على ترجمة التراث العربي والاسلامي. وفي احيان كثيرة كان نفس المستشرق الذي يترجم هذا العمل التراثي او ذاك هو الذي يترجم الادب. ثم جاءت حركة استقلال الاقطار العربية وتلاها نوع من القطيعة في علاقة العرب بالغرب، وكان من شأنه ان سرع عزلة الدراسات الاستشراقية وازمتها المنهجية على مستوى تدريس اللغة العربية بالذات وادابها.
وفي السبعينيات حدثت سلسلة من التحولات بعضها خارج حدود اوطان اللغات الاجنبية- حرب تشرين، الثورة الايرانية ، الحرب العراقية ــــــــ الايرانية ، ازمات اسواق البترول....- وبعضها الاخر داخل حدودها، واقصد هنا، ادراك المجتمعات الاجنبية انه يوجد بين ظهرانيهم (كذا) مليون فرد من المنتمين اصلاً الى الثقافة العربية وان هذا التواجد سوف يستمر ويتزايد عدده...
ادت هذه التحولات الى ان جزءا من النخبة السياسية والثقافية الاجنبية فهمت ضرورة اعادة الاتصال مع اقطار الوطن العربي بل ضرورة اعادة بناء هذه الاتصالات على اسس جديدة. وفي ظل هذا الجو الجديد ظهر جيل جديد من المستعربين ولا اقول المستشرقين، تحرر نسبياً على الاقل من التراث الاستعماري والاستشراق القديم. هذا هو السياق الاجتماعي والمعرفي الذي وقع فيه الآخر الاجنبي في ما عرف بانتعاش الترجمات من الادب العربي الحديث وعلى رأسه الادب العربي المصري وفقاً لمكان الصدارة الذي يحتله هذا الادب في جملة الاداب العربية الحديثة.
انه بالطبع تطور لا بأس به ولكنه في تصوري ليس الا نقطة انطلاق، والحقيقة انه ما زال امامنا نحن العرب والآخر الاجنبي معوقات وكوابح كثيرة لترجمة الكثير من ادبنا، ارى من الضرورة تناول ابرزها:
اولاً: ما قبل الترجمة
السؤال هنا، ماذا نترجم؟ اي كتاب واي كاتب يجب ان يترجم؟ وهنا لا بد من طرح مشكلة فوضى النشر في وطننا العربي:
أ‌- هناك ازمة قراء، فلا أظن ان احداً فينا يختلف عن الآخر في ان الكتاب العرب لا يقرأهم الا زملاؤهم وبعض الهواة المنشغلين في النشاط الثقافي. ان القارئ العادي انصرف عن الادب واكتفى بالقراءة النفعية، اي قراءة كتب ذات عائد مضمون سواء في هذه الدنيا – الكتب التعليمية بشكل عام- او عائد آخروي اي في الاخرة –اقصد الكتب الدينية-.
ب‌- ازمة نشر الادب، نظراً لهذه الظروف فقد انصرفت دور النشر الخاصة عن نشر نتاجات الكتّاب غير المعروفين، واذا نشرت لهم فتلجأ الى صيغ من التقاعد تشبه من قريب او من بعيد ما يسمى النشر على حساب المؤلف.
 اما دور النشر العامة فمازالت تنشر لادباء وكتاب شبه معروفين ولكن في ظروف لا يرضى عنها الكثير، سواء كان على مستوى اختيار النصوص او على مستوى انتاج وتوزيع الكتاب او على مستوى حقوق المؤلف. اضيف على ذلك، ان الناشر قلما يقوم بدور اراه في غاية الاهمية وهو الاشراف على جودة النص الذي ينشره، فهو عادة يكتفي بالتصحيح النحوي ونوع من الرقابة السياسية والاخلاقية.
ج‌- قصور النقد، ولا اقصد هنا النقد الاكاديمي الرفيع المستوى، فهذا موجود وله منابره، وانما اقصد النقد الصحفي او التغطية الاعلامية لحركة الابداع الادبي، فهذه التغطية لا تزال ضعيفة للغاية.
د- قصور الناشرين الذين لا يبذلون الجهد المطلوب لتقديم كتابهم في الخارج، وهذا ينطبق ايضا على المؤسسات الثقافية الحكومية.
هـ- اخيراً، قصور المؤلفين انفسهم، فالكتّاب عموماً اناس يميلون الى الفردية ويفتقدون الى مؤسسات جماعية تدافع عن حقوقهم وعن مصالحهم. هكذا نرى ان الكاتب العربي في الغالب يكتفي بالاعتماد على علاقاته الخاصة والعامة حتى يعرف نفسه على المترجم او الناشر الاجنبي.
في ضوء هذه الظروف الصعبة، نرى ان ما يترجم من اللغة العربية يتم في الغالب ترجمته بمبادرة من المترجم، على عكس ما يحدث في الترجمات من لغات اخرى، وعلى اساس معلومات الجزئية ومفضلاته وتحيزاته وغيرها من المعايير الذاتية التي لا تتطابق بالضرورة لا مع تقييم حقيقي للانتاج الادبي العربي ولا مع معايير ومقتضيات او تحيزات الناشر الاجنبي.
ثانيا ـــــ الترجمة
هي ان تصبح الترجمة من العربية ترجمة عادية شأنها شأن الترجمة من اللغات الاخرى، وان تخرج من دائرة الاستشراق الضيقة الذي يميل الى الاكثار من الهوامش والشروح والابتعاد عن ادعائها الوفاء للنص المكرس/ المقدس.
ولكن حرفة المترجمين/ المستعربين  لم تبرأ بعد من بعض العيوب والاخطاء الراجعة الى مراهقتها. فالمستعربون بحكم تكوينهم الذي لا يزال موجهاً الى ثقافة كلاسيكية تراثية لم يهتموا بعد بالقدر الكافي بالادب المعاصر او عندما يوجهون اهتمامهم اليه، تقتصر عندهم القدرة على فهمه سواء كان لنقص في حسهم الادبي ام لقلة معايشتهم للواقع العربي الحي المتحول واللغة العربية الحية المتحولة هي الاخرى.
المترجم الادبي الامثل في تصوري هو الذي يمتلك في آن واحد المعرفة العميقة والحميمة لظروف الانتاج اللغوية والثقافية والسياسية للنص الذي يترجمه، وموهبة الكتابة في اللغة التي يترجم اليها ولا اقول لغته الام، لان التجربة اثبتت ان هناك امثلة بارزة لمترجمين ناطقين بالعربية يجيدون اللغات الاجنبية نطقاً وكتابة، كالانكليزية والفرنسية، وذلك بسبب دراستهم هناك. وهذا النوع من المترجمين لا اعرف منهم الا القليل. واضف الى ذلك، انه- في انكلترا وفرنسا ايضاً- الترجمة الادبية لا تربح صاحبها مادياً ومعنوياً، خاصة بالنسبة الى ما تتطلبه من مجهود وبالتالي فهي في الغالب لا تزال مهنة جانبية اضافية لا يستطيع المترجم سواء عربي او اجنبي ان يعطيها حقها.
ثالثاً- النشر
ان معظم النصوص المترجمة من العربية الى اللغات الاجنبية وبخاصة الانكليزية والفرنسية والتي نشرت في لندن وباريس، تم نشرها في ظروف خاصة واستثنائية بالنسبة الى اوضاع النشر المعتادة في كلا العاصمتين. فعلى سبيل المثال، عمل دار سندباد للنشر- الفرنسية- الرائد في نشر النصوص العربية والاسلامية، ظل هامشياً شبه مجهول في فرنسا لمدة طويلة. وهذا يرجع في الغالب الى ان اغلبية مبيعات هذه الدار كانت تحدث خارج السوق الفرنسية.
اما سلسلة آداب عربية لدار لاتيس lattès للنشر، فنشرت بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس وفي ظروف جوبهت ببعض الانتقادات، فاختيارها للكتب كان احياناً خاضعا لمقاييس لا صلة لها بالقيمة الادبية، وان الدعم الذي تلقاه دار لاتيس من معهد العالم العربي، اسفر عن نوع من الفتور عند الناشر بالنسبة لتنشيط هذه الكتب والتغطية الاعلامية لها، مما يثير التساؤل حول جدوى او عدم جدوى الدعم في مجال الترجمة والنشر.
في رأي، ان هذا النوع من العمل قد لعب دوره في المرحلة الانطلاقية وانه الان لا بد ان يحل محله النشر العادي الخاضع لقواعد اقتصاديات النشر. وفي الواقع بدأ الناشرون الآخرون يدرجون بعض الاعمال المترجمة من العربية في قوائم منشوراتهم، وهذا بلا شك دليل على ان هذه الدور وصلت الى مرحلة البلوغ، لكن هذه الجهود لا تزال متفرقة متشتتة وتحتاج الى الوسائل الضرورية لتأسيس سياسة متناسقة لنشر الاعمال المترجمة من العربية.
رابعاً- التوزيع
ان نشر عمل ادبي مترجماً الى الانكليزية او الفرنسية لا يزال بالنسبة للناشر نوعاً من المراهنة او المغامرة. فبعد ان حطم الكتاب حواجز الاعتراف ثم الترجمة ثم النشر، يجد نفسه امام حاجز اخطر الا وهو حاجز النقد الادبي العام، نقد الصحف الكبيرة والفضائيات... وهو وسيط لا مناص منه حتى يصل الكتاب الى القارئ العام، اي حتى ينتشر خارج دائرة المهتمين بشؤون الوطن العربي محترفين وهواة.
هل هذه اذن صورة متشائمة؟
لا، اذا بدأ المترجمون والناشرون يعاملون الادب العربي معاملة عادية فبالتأكيد سيأتي اليوم الذي سوف يتعامل فيها النقاد والجمهور بنفس الشكل مع هذا الادب، فليس تصوري هذا متشائم وانما هو صورة صريحة ودعوة الى مناقشة اتمنى ان تكون مفتوحة وحرة الى اقصى حد ممكن.
waleedkaisi@yahoo.com

المصدر

الأحد، 27 أكتوبر 2013

المترجمون ومسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية

الخميس، 10 تشرين الأول، 2013
اخترت هذا العنوان بعدما تعرفت من خلال صفحة التواصل الاجتماعي على شخص عراقي الأصل أمريكي الجنسية مسيحي الديانة تبين انه عمل لفترة طويلة في العراق مع الجيش الأمريكي المحتل وكان فترة في مدينتي الموصل وقد تجاذبنا إطراف الحديث وهو يسترسل في ذكرياته عن الأيام التي عاشها في العراق وقد تحدث لي عن حالة كادت أن تؤدي إلى كارثة وجريمة تضاف إلى جرائم المحتل لو لا عناية الله وتدخله الشخصي واليكم القصة كما يرويها والعهدة على الراوي .
قال : استقدم الجيش الأمريكي عدد من المترجمين والمترجمات من أصول عربية وجنسيات مختلفة وكانت أحداهم تونسية الأصل ومولودة في أمريكا وتحمل الجنسية الأمريكية وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك كانت مكلفة بواجب مع مفرزة للجيش الأمريكي في مدينة الموصل ولدى تجوالهم شاهدوا عدد من المواطنين يذبحون الأضاحي في الشارع مع صيحات التكبير فاستغربوا من هذه الظاهرة التي يبدوا أنهم لأول مرة يشاهدوها وبعد الاستفسار من المترجمة التونسية والتي يبدوا أنها لا تعلم شيئاً عن الدين الإسلامي الحنيف ولا بموضوع الأضحية في الشريعة الإسلامية أجابتهم بأن هؤلاء إرهابيون ويتدربون على نحر أعدائهم عندها قرر الأمريكان الاهتمام بهذا الأمر الخطير الذي يمارسه الإرهابيون ووضع الخطط اللازمة للقضاء على هذه المجاميع الإرهابية ولما طرح الموضوع أمام قيادة الجهة الأمريكية في المدينة وكان المترجم العراقي حاضراً . استغرب اشد الاستغراب في ترجمة هذه الوقائع من هذه المترجمة وتدخل على الفور وقال لهم هذا خطأ كبير في نقل المعلومات وشرح لهم قائلاً أن هذه الممارسة هي احد طقوس الدين الإسلامي ولا تكون ألا في أيام معينة هي أيام عيد الأضحى المبارك وهي تمثل تقليداً لما فعله النبي إبراهيم عليه السلام وهذه الوقائع مذكورة في الكتب السماوية . وطالب بمحاسبة هذه المترجمة لسوء ترجمتها ولعدم معرفتها بأمور وطبائع العراق وأهله فضلاً عن طقوس الدين الإسلامي وبالفعل بعد دراسة الأمر من قبل الأمريكان تأكد لهم صحة ما قاله المترجم العراقي واتخذ أجراء بنقل هذه المترجمة البائسة إلى محل أخر عقوبة لها .
بعد أن روى صاحبي هذه الرواية أدركت كم من العراقيين ذهبوا ضحايا المترجم وكم تضرر أهل العراق من سوء الترجمة وعدم القدرة على إيصال المعلومة بدقة للجيش أو للمحقق الأمريكي الذي وضع ثقته بمثل هؤلاء وأخيرا أقول لك الله يا عراق .




المصدر


الأحد، 20 أكتوبر 2013

«دراسات الترجمة».. كتاب جديد يتناول النواحي الثقافية

يردم كتاب “دراسات الترجمة” لمؤلفته سوزان باسنت وترجمة الدكتور فؤاد عبد المطلب الهوة بين المساحات الكبيرة للأسلوبيات والتاريخ الأدبي واللغويات والسيميائية وعلم الجمال كما يقدم نظرية شاملة يمكن استخدامها كدليل لكيفية إنتاج الكتب المترجمة عبر الربط بين النظرية والتطبيق والدمج بين الإنتاج والجوانب الوظيفية لنص اللغة الهدف بالترابط مع نص اللغة الأصل إلى جانب التركيز على تحليل ما يحدث فعلياً أثناء الترجمة من ممارسات تدمج هذه العملية بالتاريخ والفلسفات واتجاهات فكرية أخرى.

ويركز الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب على النواحي الثقافية في الترجمة وعلى السياقات التي تقع فيها تلك العملية الإبداعية ولاسيما أنها باتت فرعاً من فروع اللغة وباتت مجالاً معرفياً للدراسة إذ أصبح الاتصال الأبدي بين اللغة وطريقة الحياة بؤرة تجذب انتباه الباحثين.
وتبين باسنت كيف أن التقسيم الواضح بين الطرائق اللغوية والثقافية للترجمة بدأت تتلاشى بسبب التغييرات التي حدثت في علم اللغة لدرجة بات فيها حقل الترجمة يتخذ منحى ثقافيا أكثر وضوحاً عبر مراعاة الأبعاد السياقية الواسعة ونقل دراسات الترجمة من تحت مظلة الأدب المقارن أو اللغويات التطبيقية والتركيز على علم اللغة بالاعتماد على كون المترجم قوة من أجل الخير وفنانا مبدعا فهو وسيط بين الثقافات ومفسر ويلعب دوراً كبيراً في استمرار الثقافة وانتشارها.
تقول الباحثة يمكن النظر اليوم إلى حركة الناس حول العالم على أنها تعكس عملية الترجمة ذاتها لأن الترجمة ليست مجرد نقل النصوص من لغة إلى أخرى فهي الآن تعد حقا عملية تفاوض بين النصوص وبين الثقافات.. عملية تحدث خلالها كل أنواع التعاملات تتوسطها شخصية المترجم.
ويبحث الكتاب القضايا الأساسية في الترجمة التي تنطلق من الاعتراف بأن هذه العملية الإبداعية تنتمي إلى حقل السيميائية على الرغم من وجود نواة أساسية لها من النشاط اللغوي وبالتالي ينبغي التدقيق على روح اللغة من أجل إيصال المعنى والوضع بالحسبان عدم قابلية بعض الأشياء للترجمة والمتعلقة بثقافة أهل النص الأصل ولذا ينبغي طرح مسألة التكافؤ على أنها جزء من نظرية التواصل الإنساني.
وتفند الباحثة “تاريخ الترجمة” باعتباره أحد مكونات تاريخ الأدب ويشمل تقصياً لنظريات الترجمة في مراحل زمنية مختلفة والاستجابة النقدية للمواد المترجمة والعمليات الإجرائية لاعتماد الأعمال المترجمة ونشرها إضافة إلى دور الكتب المترجمة ووظيفتها في حقبة زمنية معينة والتطور المنهجي لطرائق تلك العملية الإبداعية وما تشمله من تحليل عمل المترجمين.
كما تسلط باسنت الضوء على “الترجمة في ثقافة اللغة الهدف مبينة التأثير الذي يتركه النص أو المؤلف أو النوع الأدبي مع محاولة استيعاب معايير النص المترجم ضمن سياق اللغة الهدف لتنتقل بعدها إلى الدراسات التي تركز على الترتيب المقارن للعناصر اللغوية بين اللغة الأصل واللغة الهدف فيما يتعلق بالمستويات الصوتية والنحوية ومستوى تنسيق الكلمات وترابطها طارحة مجموعة من المشكلات المتعلقة بالمكافئ اللغوي وانسجام المعاني والترجمة الآلية ومشكلات ترجمة النصوص غير الأدبية.
وتركز الباحثة في فصل “الترجمة وفن الشعر” على الترجمة الأدبية نظرياً وعملياً بحيث تتقصى مشكلات محددة في ترجمة الشعر والنصوص المسرحية أو نصوص الأوبرا الغنائية إلى جانب مشكلات الترجمة السينمائية سواء المتعلقة بالدبلجة أو الترجمة المطبوعة متطرقة إلى دراسة الأساليب الشعرية بالمقارنة بين عدة ترجمات موضحة التغييرات في تشكيلات النصوص الشعرية محاولة الوصول إلى صياغة نظرية للترجمة الأدبية.
يذكر أن الباحثة اللغوية سوزان باسنت من مواليد 1945 أستاذة للأدب المقارن تلقت تعليمها في العديد من الدول الأوروبية التي قدمت لها أساساً قوياً في اللغات والثقافات المتنوعة.. ألقت محاضراتها في الجامعات حول العالم وبدأت حياتها المهنية الأكاديمية في إيطاليا ثم انتقلت عبر الولايات المتحدة إلى جامعة “وارويك” وشغلت منصب رئيس مركز الدراسات الثقافية المقارنة والترجمة الذي أسسته في الثمانينات من القرن العشرين.
لها العديد من المؤلفات منها “الأدب المقارن 1993″ الذي ترجم إلى عدة لغات و”ترجمات ما بعد استعمارية 1999″ ونشرته بالمشاركة مع هاميش تريفيدي وكتاب “حيوات متبادلة.. أشعار وترجمات” عام 2002، كما حررت كتاباً مهماً مع بيتر بوش بعنوان “المترجم مؤلفاً” 2006 وألفت كتاباً حول الشاعر الإنجليزي تيد هيوز 2008.

السبت، 9 فبراير 2013

عملية الترجمة

لكل نشاط ترجمي نقوم به أهداف محددة لعل من أهمها أن مثل هذا النشاط يشكل أداة تواصل ثنائية اللغة عبر الثقافات لخدمة بني البشر. وقد تطورت الترجمة في العقود القليلة الماضية بسبب تنامي التجارة الدولية وزيادة حركة الهجرة والعولمة والأعتراف بالأقليات اللغوية فضلا عن توسع وسائل الأعلام والتكنولوجيا. لهذا السبب بدأ المترجم يؤدي دورا مهما بصفته ناقل ثقافة وأفكار ثنائي اللغة أو متعدد اللغات عبر الثقافات المختلفة يحفزه سعيه لترجمة المفاهيم والكلام في مختلف النصوص بأكبر قدر من المصداقية والأمانة والدقة.
ويتفق معظم منظّري الترجمة على أن عملية الترجمة تتمحور حول نقل نص ما من لغة أجنبية (أو ثانية) الى اللغة الأم غير أن متطلبات السوق تقتضي على نحو متزايد بأن يقوم المترجمون بنقل النصوص الى اللغة الهدف TL التي هي ليست لغتهم الأم أنما لغة أجنبية. ومثل هذه العملية يطلق عليها بيتر نيومارك Peter Newmark الترجمة الخدمية service translation موضحا (1995) :(أفترض أنكم أيها القراء تتعلمون الترجمة من اللغات الأجنبية الى لغاتكم الأم لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تتمكنون من خلالها من أنجاز ترجمة طبيعية ودقيقة وتحقيق أكبر قدر ممكن من التأثير. غير أن معظم المترجمين يقومون بعملية الترجمة من لغاتهم الى اللغات الأخرى).
ولابد أن يكون هناك ثمة منهج ما للتعاطي مع نص اللغة الأصلية سواء أختار المترجم النموذج التقليدي الذي يتخذ من المؤلف محور أهتمامه author-centered أو النموذج البنيوي الذي يهتم بالنص text-centered أو النموذج المعرفي الذي يهتم بالقاريء reader-centered . أن مثل هذه الحقيقة تجعل من عملية الترجمة مهمة صعبة للغاية تفضي في بعض الأحيان الى نتاج عادي لابد من العمل على تنقيحه وتحريره قبل تسليمه الى الزبون.
والمترجمون العاديون الذين تعوزهم الخبرة ربما ينتجون ترجمات خاطئة ربما تتسبب في نتائج كارثية يتعذر أصلاحها!ولاريب أن الترجمة الضعيفة لاتؤدي الى أثارة الضحك أو حصول بعض الأرباك فحسب أنما يمكن أن تكون قضية حياة أو موت. من هنا تبرز أهمية تدريب المترجمين ليس في مجال أكتساب اللغات والتمكن منها وفي أستراتيجيات الترجمة وأجراءاتها فحسب أنما في بعض الحقول المعرفية المحددة وكذلك في أخلاقيات الترجمة الأحترافية.
وأذا كانت عملية الترجمة تمثل عملية خطابية تتوسط بين اللغة والفكر (أنظر ديلسل Delisle 1980) فأن علينا أن نتقبل أيضا حقيقة أن المترجمين يواجهون عقبات متنوعة وكثيرة جدا في ضوء ممارسة المترجمين فنا ومهارة. في هذا السياق يوضح ديلسل (1981) بأن الترجمة عمل شاق و (مهلك) يضعك في بعض الأحيان في حالة يأس الا أنه يشكل في الوقت ذاته عملا أساسيا يعمل على أثراء اللغة ويتطلب الأمانة والتواضع.
وكثيرا ماتواجهنا الكثير من الأشواك المؤذية أثناء ترجمة النصوص حيث يتعين على المترجمين أن يكونوا على بينة حول هذا الأمر. وتتصل المشكة الأولى بعمليتي القراءة والقدرة على الأستيعاب أثناء التعامل مع اللغة المصدر حيث تأخذ غالبية الصعوبات الترجمية طابعا دلاليا وثقافيا فضلا عن التعبيرات النمطية والمعيارية والتعبيرات الجديدة التي تضاف الى اللغة والأقوال المأثورة والمصطلحات والأمثلة والنكات والتوريات وغير ذلك. ويتعين على المرء أن يتبنى موقفا حذرا للغاية حيال مثل تلك المفردات أو التعبيرات بهدف تحاشي التدخل أو سوء الأستخدام اللغوي (أنظر كوسمول Kussmaul 1995). وكثيرا مايواجه المترجمون معضلة التعبيرات التي لايوجد مايقابلها في لغتنا حيث لاتعيننا أفضل القواميس أوالخبراء في الحقل المعني أو أحد متحدثي اللغة الأصلية في أيجاد الحلول الرامية الى التوصل الى المعنى الدقيق المطلوب. علينا في هذا السياق أن نضع في بالنا أن من أعظم الفضائل التي يتمتع بها المترجم الجيد ماأسميته ب (الحدس المتنبه للسياقات اللغوية) أي المقدرة على التوصل الى أقرب معنى للعنصر الذي ليس له مقابل في السياق.
وبصرف النظر عن الصعوبات التي تشوب عملية الترجمة لابد أن تتوجه الأجراءات صوب جوهر الرسالة والأمانة لمعنى نص اللغة الأصلية الذي تتم ترجمته الى اللغة الهدف. ويشير كل من نايدا وتابر Nida and Taber (1974) الى أن عملية الترجمة تتضمن التوصل ألى أقرب مكافيء لفكرة النص الأصلي في اللغة الهدف أبتداء بالجانب الدلالي ومن ثم الأنتقال الى الجانب الأسلوبي. أن جودة الترجمة تعتمد كثيرا على جودة المترجم وتمكنه أي على معرفته ومهاراته وتدريبه وخلفيته الثقافية وخبرته وحتى على مزاجه! ويبرز نيومارك (1995) بعض الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها المترجم المقتدر وهي: (1) القدرة الأستيعابية لدى القراءة باللغة الأجنبية ؛ (2) المعرفة بالموضوع الذي يترجم فيه؛ (3) الحساسية اللغوية بكلا اللغتين (الأم والأجنبية)؛ (4) المقدرة المتميزة أثناء الكتابة باللغة الأجنبية بشكل ينم عن البراعة والوضوح والأقتصاد اللغوي والتمكن.
من جانبه يشير ميرسيدس تريكاس Mercedes Tricas الى الحدس أو الحس العام بأعتباره الأكثر ألفة من بين الحواس الأخرى أي العمل على أستثمار تلك الحاسة السادسة من خلال الجمع بين الذكاء والحساسية والحدس لكون مثل هذه الظاهرة تؤدي الى افضل النتائج أذا تم التعاطي معها بحذر وروية. يقول تريكاس (1995) :(تتسم عملية النقل بكونها تمثل آلية صعبة ومعقدة يتعين على المترجم في ضوئها أن يستثمر كل قدراته الفكرية وبديهته ومهاراته).
وبصرف النظر عن الجوانب التي تم التطرق اليها آنفا نرى من المناسب التأكيد على ضرورة التحلي بمعرفة لغوية سليمة بكل من اللغة الأصل واللغة الهدف لأن ذلك يشكل حالة جوهرية رغم أنها ليست الحالة الوحيدة للشروع بخوض غمار عملية الترجمة الأحترافية. على أن الأحاطة باللغات والتمكن من اللغة الأصل واللغة الهدف لايكفيان لتأهيل مترجم ناجح.
من حانب آخر لابد أن ينظر المترجم الى عملية أيجاد الحلول للمعضلات الناشئة أثناء الترجمة بأعتبارها عملية متواصلة مثل ترجمة الجوانب التي تصعب على الترجمة لغويا وثقافيا والقدرة على التعاطي مع الخسائر والمكاسب وأيجاد الحلول لجوانب الغموض المتعلقة بالمفردات وغير ذلك من خلال تبني آليات مختلفة منها على سبيل المثال التعويض والأقتراض والملاحظات التوضيحية والتعديل والتكافؤ اللغوي واعادة الصياغة وأعتماد القياسات analogies وغير ذلك.
ولابد أن يعرف المترجمون أن المعنى لاينتقل من خلال المفردات فحسب فترجمة النصوص التي تضم مجموعة مصطلحات علم أو فن ما والأرقام والجداول والرسوم البيانية والتعبيرات المعيارية والألفاظ الأوائلية acronyms والألفاظ المستخدمة في الكتابة metonyms وأسماء الأماكن في لغة ما toponyms وغير ذلك مسألة لابد أن يأخذها المترجمون بعين الأعتبار. كما ينبغي على المترجم أن يعمد الى تحديد بعض المنطلقات الجوهرية قبل الأنتقال الى ترجمة نص ما مثل مؤلف ذلك النص وهدف النص والقراء والمعيار الذي يتبناه والذي يقتضي تحديد المؤلف والفكرة وتصنيفهما ونوع الخطاب والمترجم والقراء.
وفيما يعلق بأجراءات الترجمة واستراتيجياتها يتعين على المترجم أن يقوم بعملية أختيار متواصلة في كل مقطع كتابي أو جملة أو وحدة ترجمية بهدف تحديد أهميتها لنقل الأفكار في النص الذي تتم ترجمته. وهذا يعني العمل على تبني أكثر الأستراتيجيات والأساليب مناسبة التي تتناغم مع متطلبات النص وليس تبني أسلوب ما والدأب على أستخدامه حتى النهاية. ويتعين على المترجم أيضا أن يراعي الى حد كبير الألتزام بجوهر الترجمة ، فيما يتعلق بالمعنى واللهجة والأسلوب وغير ذلك ، ونسق النص الأصلي أي شكله من حيث المصادر والمقاطع الكتابية وترك الفراغات اللازمة عند بداية كل مقطع كتابي والأعمدة والجداول وغيرها.
من ناحية أخرى يقول كثيرون أن الترجمة الآلية machine translation (MT) قد ساعدت على حل مشاكل الترجمة وهذا كلام مغالى فيه كثيرا فالعارفين ببرمجيات الترجمة يعلمون مدى الأختلاف الهائل بين النص الذي تترجمه الآلة والنص الذي يترجمه الأنسان لأن المترجم من البشر يلجأ الى ذكائه وأبداعه وتطلعاته للمعرفة وبديهته وأصالته وتفكيره وحذقه وغيرها في حل مشاكل الترجمة التي تواجهه أما الماكنة فليست لديها القدرة على التمييز أو الأدراك رغم كل (التغذية) التي تتلقاها. من هنا تبرز أهمية أخضاع المترجمين للتدريب.
بقلم:هاشم كاطع لازم-12-01-2013| (صوت العراق)
ترجمة: هاشم كاطع لازم / أستاذ مساعد – جامعة البصرة – كلية الآداب hashim_lazim@yahoo.co
المصدر

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

بعض الأسئلة عن اللغة العربية والترجمة

* د. فيصل دراج

هل هناك حوار بين اللغات، وما معنى الحوار بين الثقافات، وما علاقة هذين الطرفين بما يدعى: حوار الحضارات، وصولاً إلى التثاقف والمثاقفة والتبادل الثقافي؟ مهما يكن المعنى فإن الأسئلة جميعها تستدعي مقولتين أساسيتين هما: الأنا والآخر، فلا تبادل إلا بين طرفين يتبادلان موضوعين مختلفين، وفقاً لقواعد معينة. تتعيّن المقولة الأخرى بما يدعى: ميزان القوى بين الطرفين المتبادلين، أكان ذلك على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، أم على المستوى اللغوي.

يستلزم القول بالأنا والآخر الاعتراف المتبادل بينهما، فلا يستطيع مثقف عربي أن يحاور مثقفاً فرنسياً، إلا إذا ارتضى ثانيهما الحوار مع الأول واعترف به. غير أن هذا الاعتراف لا يعني شيئاً كثيراً، ذلك أن الحوار بين الطرفين، مهما كانت مقاصده وبواعثه وأهدافه، مشروط بميزان القوى بين الطرفين المتحاورين، الذي يتيح لطرف أن يتمدّد ويتوسع على حساب آخر. والحاضر في هذا المجال، أي في إطار التبادل بين اللغات هو: الرصيد اللغوي، حال الرصيد في البيع والشراء، إذ لا تستطيع لغة أن تترجم كلمات اللغة المقابلة، إلا إذا كان لديها ما يكفي من الكلمات الموائمة.

وواقع الأمر أن الحوار، الذي مادته اللغة، لا يقوم بين اللغات المختلفة، إنما يدور بين الثقافات المختلفة، التي أنتجها تاريخ اجتماعي خاص بها، وأملتها تحولات اجتماعية في ميادين الحاجات المتنوعة. فإذا كانت الكلمة إشارة إلى موضوع، خارجي قابل للاستعمال، أو ذهني مرتبط بتقدم المعارف والعلوم، فإن حياة الكلمات من حياة المواضيع التي تتعامل معها. بل أن ضرورة هذه الكلمات وثيقة الصلة ببيئة تحتاج إليها. فلم يولد مصطلح: فيزياء الكم، إلا بعد تجارب الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ، التي أفضت إلى اكتشافات جديدة في «الفيزياء الذرية»، ولم يظهر تعبير: السريالية، أي ما فوق الواقع، إلا بعد ظهور مدرسة فنية جديدة في الرسم، استفادت من المفاهيم التي جاء بها سيجموند فرويد، مؤسس مدرسة: علم التحليل النفسي. واستعمل المشتغلون من العرب بالفلسفة مصطلح: فلسفة الظواهر، بعد أن وفد إليهم من الغرب تيار فلسفي حديث أسسه الالماني: إدموند هوسرل.

تستدعي الإشارات السابقة مفهوم: تعددية المعارف المكتشفة التي تفرض مسافة لغوية بين المترجم والمترجم عنه، إذ للمكتشف الأصلي حرية في توليد الكلمات واختيار اشتقاقاتها، لأنه أدرى بدلالة الموضوع الذي وصل إليه عن طريق التجربة المتراكمة، بعيداً عن «المترجم»، الذي يفتقر إلى تجربة المكتشف الأصلي، والذي يلزمه وضعه، أو «محدودية معارفه»، بالبحث عن معنى مطابق، أو نسبي، ملبياً الرصيد اللغوي الذي يملكه، الذي يفي بالحاجات أحياناً ولا يفي بها في أحيان أخرى. فحين يصل الباحث العربي، في الفلسفة، إلى مفهوم: ابستيم، الذي قال به الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه «حفريات المعرفة»، فهو لا يعثر على مرادف له باللغة العربية، ويكتب المصطلح اللاتيني مكتوباً باللغة العربية.

لا ينفصل وضع اللغة، في علاقتها بغيرها، عن تطور المجتمع الذي ينطق بها، والذي يترجم تطوره بتعددية حاجاته، في المجالات جميعاً، أكان ذلك على مستوى المعيش اليومي، في أحوال العمل والفراغ، أو على مستوى العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية والآداب. وبهذا المعنى، فإن «الرصيد اللغوي»، أي كم الكلمات في اشتقاقاتها المتعددة المرتبطة بالحاجات، تعبير عن رصيد المجتمع، في أشكاله الاقتصادية والسياسية والثقافية. وما وضع اللغة الإنجليزية، في شكلها الأمريكي، إلا آية على هذا «الرصيد»، الذي جعل من الانجليزية لغة العولمة، ولغة من أجل العولمة. ومع أن رصيد اللغة الإنجليزية، في شكلها المعولم، يطرح موضوع: الهوية اللغوية، فإن في مفهوم الهوية لا يغير، في هذا المجال، شيئاً كثيراً، ما دام رصيد الهوية، أو الرصيد الهوياتي، من رصيد العناصر التي تسهم في بنائها. ولعل وعي العلاقة بين اللغة والقوة، هو الذي حمل العرب قديماً، على القول: «لغة الملوك ملوك اللغة»، أو «لغة السلاطين سلطان الكلام»، في إشارة إلى المراتب اللغوية، ذلك أن لغة الفرد من لغة منزلته.

يتكشّف التقدم الاجتماعي، في علاقته باللغة، بتعددية أجناس العلوم والآداب، إن صح القول، الذي ينفي وجود المعرفة، كما الآداب، بصيغة المفرد. فبعد أن ظهر علم التاريخ، في القرن الثامن عشر، أضيف إليه علم يوطّده هو: علم الاجتماع، إلى جانب صعود الفلسفات الحديثة، المتعددة النزوعات، في انتظار صعود علم النفس في نهاية القرن التاسع عشر، ... ولأنه لا وجود للعلم إلا في استقلال ذاتي ـ نسبي خاص به، فقد أوجد كل علم مصطلحات خاصة به، موسعاً الموروث اللغوي، أو مجبراً الموروث على «توسيع» أو «تبديل» ضفافه اللغوية. وكما جاء القرن الثامن عشر، في شكله الأوروبي، بعلم التاريخ، جاء معه بازدهار القصة القصيرة وصعود الرواية، استجابة لسوق الصحافة، الصاعدة بدورها، ومستولداً «الناقد الأدبي» الحديث، الذي فرضته الصحافة قبل أن تبنيه الجامعات.

في كل هذا كانت العلوم الجديدة استجابة لواقع اجتماعي لا يكفّ عن التحوّل، وكان التجدّد اللغوي استجابة لعلوم تحتاج إلى لغة جديدة. ولم يكن الوضع في العلوم الطبيعية مختلفاً، فالثورة العلمية لم تنفصل عن الجديد الاجتماعي ـ الاقتصادي، مثلما أن الثورة الصناعية محصلة للطرفين. ولم يكن صعود العلوم الحديثة، التي تتضمن فيزياء وكيمياء ورياضيات، إلا استجابة عملية للثورة الصناعية. فإذا كان شكل الفكر من شكل اللغة التي تترجمه، فإن فكراً مأخوذاً بالاختصاص، والاختصاص في الاختصاص، يستولد لغة على صورته، كما لو كان في الاختصاصات العملية ـ النظرية ما يجبر اللغة على نقد ذاتها، والرحيل من بيئة اجتماعية لها منظور محدد للعالم إلى بيئة أخرى توحّد بين تجديد اللغة والمنظور الجديد للعالم. كان إدوارد سعيد، في دراسة له في كتاب جماعي عنوانه: «ضد علم الجمال»، قد ألقى ضوءاً ثنائي البعد على العلاقة بين اللغة والاختصاص في حقل النقد الأدبي: أشار إلى العلاقة البديهية بين الاختصاص واللغة المرتبطة به، وحمل بغضب شديد على المختصين الذين يتبادلون في ما بينهم لغة مغلقة، معقدة، أقرب إلى لغة الكهنة في العصور الوسطى، مبتعدين عن «الإنسان العام»، وعن لغة «الإنسان في العام»، الذي تربط بين الكلمات والمواضيع. انجذب هؤلاء المختصون إلى صيغة: «ميزان القوى اللغوي»، الذي يضع إنساناً فوق آخر، ويطلب من «الأفقر لغة» إلى الانصياع إلى «المنتصر في حقل اللغة».

تشير ملاحظات إدوارد سعيد، في شكليها البديهي والنقدي، إلى العلاقة بين اللغة الطقوسية والبيئة الجامعية المغلقة، وهو ما رفضه رفضاً غاضباً، وإلى العلاقة بين «اللغات» والأجناس الأدبية، إذ لكل «فضاء كتابي»، إن صح القول، لغة تلبي منظوره ومواضيعه. كان المصري عادل كامل، صديق نجيب محفوظ، ومؤلف رواية «ملك من شعاع»، قد نشر في نهاية أربعينات القرن الماضي رواية عنوانها «مليم الأكبر»، صدّرها الأديب المصري، الذي اعتزل سريعاً الكتابة الروائية، ببيان أدبي عن اللغة العربية، رأى فيها منتوجاً «بدوياً» ضيقاً، يلبي حاجات «إنسان بسيط» ضيّق الحاجات مفترضاً، في النهاية، أن اللغة العربية تعوّق الكتابة الروائية. وهو رأي قالت به لاحقاً الجزائرية آسيا جبّار، وإن على الروائي، الذي يكتب بالعربية، أن ينفتح على «اللغات الحيّة»، وأن يطوّع العربية حتى يستطيع الكتابة بها.

بيد أن الأديب المصري نسي أمرين: أن العرب في نهاية الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945، بما فيهم أهل مصر، لا يتحدّثون بلغة البادية «القديمة»، وأن اللغة الروائية، التي تتعامل مع المواضيع اليومية، لغة هجينة، إن صح القول، تأخذ من لغة القواميس ومن اللغة العامية وشيء قريب من لغة الصحافة وتتوجّه، في الحالات جميعاً، إلى قارئ عادي يحسن الربط بين المفردات والمواضيع. مع ذلك فإن ملاحظات كامل، التي تفتقر إلى الإنصاف، لم تأتِ من فراغ، ذلك أن مشروعيتها، ولو بقدر، تأتي من اتجاهين على الأقل: قصور «المجامع اللغوية العربية» التي لم تنجح في الربط بين تجديد اللغة وتجدّد الظواهر الاجتماعية، كما لو كانت اللغة العربية جوهراً مكتفياً بذاته، جديده قديمه وقديمه جديده، كما لو كانت «وجوداً كاملاً» لا يحتاج إلى حذف أو إضافة. أما الاتجاه الثاني فيتأتى عن المناهج المدرسية الرسمية التي تفصل في أشياء كثيرة، بين لغة الحياة ولغة الكتب. ولذلك يترك التلميذ، حين يصل إلى الحياة اليومية، لغته المدرسية وراءه ويتحدث مباشرة باللغة العامية، تعبيراً عن انقسام لغوي، إذ لغة المدرسة تغاير لغة الشارع، إن لم يعبر عن انقسام في الفكر، ما دام فكر الإنسان من لغته، كما تقول بعض الاتجاهات في علم الاجتماعي ـ اللغوي.

بعد مرور أربعين عاماً، تقريباً، على حديث عادل كامل نقد الفيلسوف المغربي عبد الله العروي وضع اللغة العربية، في كتابه «العرب والتاريخ»، من وجهة نظر أخرى، قوامها «تشتّت اللغة العربية». فكما لاحظ، وكما يلاحظ بشكل عام، فإن لكبار المختصين «التقنيين» لغة خاصة بهم، تخالطها الأجنبية، غالباً، إن لم تكتفِ بها أحياناً مثلما أن لكتاب الدواوين وغيرهم من الموظفين.. لغة عربية «أخرى». وقد يكون لمراجعي الدواوين الرسمية «لغة ثالثة»، لا هي بلغة الاختصاص العالي، ولا هي باللغة الساكنة التي استقرت عليها بعض دوائر «الحكومات العربية». والسؤال السريع: هل اللغة العربية منعزلة عن الحياة أم أن في حياة المجتمعات العربية ما يمنع عنها الوحدة والتجانس، وهل هي منعزلة عن «حياة المعارف والنظريات الحديثة»؟ يحيل السؤالان على أشكال السلطة السياسية، ويستبقيان لسؤال الترجمة، كما لحوار الثقافات، موضوعاً محدداً هو: الاختبار.

تعيش اللغة العربية حياتها اعتماداً على سيرورتها الخاصة وتعيش، بشكل لا متكافئ، حياة المعارف في العالم: فهي تعيش حياتها الموزعة في اللغات العامية والفصحى و»اللغة المتوسطة»، بلغة الراحل عبد الرحمن منيف، وهي تعيش حياة المعارف الكونية، اتكاء على الترجمة وعلى جهود أصحاب «الفضول المعرفي»، الذين يفتحون نوافذ على ثقافة القارات المختلفة. ومع أن هذه الحياة، التي يلعب فيها الشعر والرواية والصحافة والترجمة، بعيدة عن الركود والطقوس البلاغية الشكلانية، فإن هذه الحياة نفسها تفتقد إلى قوة منظمة مركزية، ذلك أن إصلاح اللغة شأن من شؤون السلطة، كما أشار عبد الله العروي. فلم تنجز «أوربا الحديثة» إصلاحها اللغوي، الذي ينقلها من لغة العصور الوسطى إلى لغات حديثة، إلا عن طريق الأجهزة المدرسية، التي أشرفت عليها سلطات توحّد بين اللغة والأمة، أو: «تنشئ الأمة»، متوسلة لغة قومية يفصح عنها «الأدب القومي»، الذي يعطي الماضي البعيد، وهو متخيّل غالباً ، صياغة قومية موحّدة.

وواقع الأمر أن القوميات الحديثة الأدبية استغنت عن «اللغة ـ الأصل»، بعد أن أقصت الماضي بعيداً، واعتبرت «الحاضرالنهضوي» أصلاً لذاته، حتى لو استعاد «المعجزة اليونانية» أكثر من مرة. يبدو الحاضر، والحال هذه، زمناً مستقلاً بذاته، كما تبدو اللغة معطى تاريخياً مرتبطاً بالحاضر، وله قواعد لا تقل استقلالاً. كان الناقد السوري الحمصي الأصل قسطاكي الحمصي، في كتابه «منهل الوُرّاد» ـ عام 1907 قد طالب بالفصل بين اللغة في ذاتها، التي تتمتع باستعمالات متعددة، واللغة الدينية التي لها حيّز خاص به. جاء طه حسين، بعد زمن بفصل باتر بين الدنيوي والديني، في علاقتيهما باللغة حين قال: «القرآن هو القرآن، لا هو بالشعر ولا هو بالنثر»، أي أنه كلام مقدس يغاير كلياً لغة الكلام اليومي، وهو ما يعنيه نصاً متعالياً عصياً على الترجمة، إلا بقدر.

ينطوي فعل الترجمة، من حيث هو بعد من أبعاد اللغة، على دلالات متعددة، تمس وعي اللغة بذاتها وبغيرها من اللغات، اتكاء على مفهوم: المقارنة. فمثلما أنه لا وجود لنص أدبي إلا مقارنة بنص آخر، فإن إمكانيات لغة محددة، سلباً أم إيجاباً، لا تتكشف إلا بلقائها مع لغة، أو بلغات أخرى. ذلك أن اللغة، في فعل الترجمة، تختبر إمكانياتها في استيعاب إمكانيات لغات مغايرة. يتحقق هذا «الاستيعاب»إن صح القول، جزئياً، أو بشكل نسبي. ولهذا تحظى بعض الكلمات «الأدبية» على أكثر من ترجمة، مثل مفردة Ali nation، التي عرّبت بكلمات متعددة: الاغتراب، الاستلاب، الضياع، «الألينة»، ... وهو ما دفع إلى ترجمة كتاب دانتي «الكوميديا الإلهية» أكثر من مرة، أو أشعار شكسبير التي ترجمها خليل مطران وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهما. لذا تبدو الترجمة كشفاً واكتشافاً ووشاية،/ خاصة حينما تواجه اللغة نصاً صعباً، مثل «فينومنيولوجيا الروح» لهيجل، أو حينما تقف اللغة العربية أمام مصطلحات علم النفس، هذا العلم الذي ولد ونشأ وتطور في بيئة ثقافية، بعيدة البعد كله، عن البيئة الثقافية العربية.

تبيّن ترجمة نص أجنبي إلى اللغة العربية، حال الإلياذة لهوميروس التي ترجمها سليمان البستاني، بعد أن عاد إلى لغات عدة، أن سؤال الترجمة هو سؤال المترجم، قبل أن يكون مساءلة لإمكانيات اللغة العربية، وأن المترجم الأخلاقي يجتهد في تملّك اللغتين اللتين يتعامل معهما، اللغة العربية واللغة المترجم عنها.

يقود السؤال مباشرة إلى أخلاقية الترجمة، كأن لا يترجم المترجم النص إلا عن لغته الأصلية، وأن يتخذ لنفسه منهجاً، يرى في الترجمة فعلاً إبداعياً، وأن يظهر في الترجمة الرسالة التي تسعى إلى القيام بها.

وأخيراً فإن الترجمة ليست حواراً بين اللغات، وإنما هي لقاء بين البشر والثقافات يقصد إلى تبادل المعرفة والوقوف على تجارب ثقافية إنسانية. لذا فإن هدف الترجمة ليس نقل الكلمات، بل نقل القصد الذي تحمله الكلمات، كما لو كان «المعنى ليس في النص، بل هو يُبنى من خلال ترجمة النص». يفضي الأمر، بداهة، إلى موضوع التأويل، ذلك أن للكلمات، كما يوردها القاموس، معانٍ متعددة، تتغيّر وفقاً لمكانها في الكتابة ، آخذة المعنى الذي يقترحه تأويل النص. ولذلك لا تنطلق النظرية التأويلية، التي لها جذور عميقة في الفكر العربي ـ الإسلامي، من المعجم، وإنما من الاستعمال الحقيقي للكلمات في عملية التواصل. فالمعجم لا يسجل ما هو فردي في التعامل مع الكلمات، فهو يسجل ما تواضعت عليه الجماعة، فصار عاماً مشتركاً بين أبنائها. ولعل الاكتفاء بالعام والمشترك بين الناس قد يكون فقير المعنى إزاء حالات شعرية، مثل شعر الألماني ريلكه على سبيل المثال، أو إزاء بعض الكلمات الفلسفية، التي يختلف استعمالها من فيلسوف إلى آخر.

إن انفتاح اللغة العربية على اللغات الإنسانية، في مجالات إبداعها المتنوعة يؤدي، بنسب مختلفة، إلى تقدمها الذي لن يكون واضحاً إلا إذا كان وجهاً من وجوه تقدم اجتماعي عام. والعلاقة بين تقدم اللغة والمجتمع ترجع، في التاريخ العربي ـ الإسلامي، إلى بدايات الحقبة العباسية، حيث ترجم العرب عن اليونان، قبل أن يقوم الغرب لاحقاً بترجمة ما ترجمه العرب عن اليونان. وكذلك حال النهضة العربية، في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي جعلت من الترجمة محوراً من محاورها الأساسية، منذ أيام محمد علي إلى فترة جمال عبد الناصر.

من أين تأتي حياة اللغة؟ من لغة لها علاقة بوجوه الحياة، ومن علاقاتها بلغات تسائل الوجود في وجوهه المختلفة، وتبحث مجتهدة عن إجابات لا تكفّ عن التحوّل.
التاريخ : 29-06-2012

s

السبت، 19 مايو 2012

الترجمة والترجمة العلمية بقلم الدكتور محمد أحمد طجو

by المترجمون الموريتانيون الشباب on Saturday, July 30, 2011 at 10:30pm ·
ما الترجمة؟

يمكن في الواقع تقسيم الترجمة إلى قسمين رئيسين, الترجمة التحريرية والترجمة الشفهية. وتعرف الترجمة الشفهية بعدة أنواع هي الترجمة الفورية, والترجمة التتبعية, والترجمة الثنائية. أما الترجمة التحريرية فيقصد بها ترجمة النصوص المكتوبة بأنواعها, وتتنوع الصعوبات فيها بتنوع النصوص المترجمة فهي تنقسم أيضا إلى قسمين رئيسين: الترجمة الأدبية والترجمة العلمية أو المتخصصة. وتعرف الترجمة التحريرية بأنواع كثيرة أهمها الترجمة الحرفية, والترجمة الحرة أو بتصرف, والترجمة التفسيرية, والترجمة الدلالية, والترجمة التواصلية.

إن ما دعانا إلى هذا التوضيح الموجز لأهم أنواع الترجمة وطرقها هو ما لاحظناه لدى كثير من الطلاب والدارسين الذين يخلطون بين نظريات الترجمة وطرقها, والذين يطلقون على الترجمة الحرفية أو الحرة أو الدلالية أو التواصلية مصطلح نظريات الترجمة, وهذا خطأ واضح, فعندما نترجم نصا ما كلمة كلمة فإننا نستخدم الترجمة الحرفية, وعندما ننقل المعنى ونراعي الدلالات المعجمية والبنى النحوية فإننا نستخدم الترجمة الدلالية, وعندما نقوم بتحقيق المطابقة في التأثير على القارئ فإننا نستخدم الترجمة التواصلية, فهذه يطلق عليها أنواع أو طرق الترجمة ولا مجال للنظرية هنا.

لقد مرت نظرية الترجمة منذ نشأتها إلى يومنا هذا بثلاث مراحل: المرحلة ما قبل اللسانية التي دامت حتى مطلع القرن العشرين, والتي تميزت بمقاربة فقهلغوية وفلسفية كان يقوم بها مترجمون يرمون من ورائها إلى تعميق معرفتهم بعملهم والتبحر فيه, والمرحلة اللسانية التي دامت حتى الستينيات, والتي تميزت بتحليل الظاهرة الترجمية تحليلا علميا وبتمحيص وقائعها على مستوى اللسان, والمرحلة ما بعد اللسانية التي ابتدأت منذ سبعينيات القرن العشرين, والتي تميزت بمحاولة التركيب بين المقاربتين السابقتين وبنظرية التواصل والنصية. وقد كانت المرحلة الأخيرة رد منظري الترجمة وممارسيها (أمثال نايدا Nida, وسيليسكوفيتش Seleskovitch , ولادميرال Ladmiral على أطروحة اللسانيين أمثال فيدروف Fedrov , وفيني وداربلنيه Vinay et Darbelnet , ومونان Mounin , وكاتفورد Catford) التي تعتبر الترجمة ظاهرة لسانية, وعلى أطروحة التجريبيين (من أمثال كاري Cary , وشتاينر Steiner , وميشونيك Meschonnic)(1).

ويمكن القول إننا نقترب في الوقت الحالي من نظرية فريدة وكلية في الترجمة, وإن هذه الظاهرة المعقدة والمركبة تدفع ببعض الباحثين إلى أن يفضلوا في دراساتهم العناصر اللسانية, ويدفع بالبعض الآخر إلى تفضيل المحتويات المعرفية, ويدفع بسواهم إلى تفضيل المظاهر الإيناسية, ويدفع بغير هؤلاء وأولئك إلى تفضيل الفروق والتلوينات الأدبية, وهلمجرا. وقد تمخض عن ذلك عدة مناهج في الترجمة لخصها لنا كل من نيوبرت وشريف
Albert Neubert & Greory M. Shreve
في كتابهما المعنون الترجمة وعلوم النص, وهذه المناهج هي: النقدي, والعملي, واللغوي, ومنهج لغويات النص, والثقافي الاجتماعي, والحاسوبي, واللغوي النفسي. وقد درس المؤلفان هذه المناهج دراسة نقدية, وخلصا إلى القول: "يمكن لكل منهج من هذه المناهج أن يساهم في بناء نظرية أكثر طموحا وأكثر ملاءمة وتكاملا حول الترجمة من دون أن يتخلى عن وجهة نظره الخاصة " (2).

و مع ذلك, إننا نرى الآن أن معظم منظري الترجمة الذين ينتمون إلى آفاق مختلفة, ويتباينون في ما يستعملون من مصطلحات, وما يضعون من تصنيفات, يتفقون في الجوهر, على اعتبار الترجمة ظاهرة واحدة وفريدة, وإن تعددت وجوهها, فهي في نظرهم, نظرية:

أ- تتلخص في تحوير جوهر النص الذي يشتمل على عناصر دلالية وأسلوبية,
ب- تتم على مستوى العبارة المحققة,
ت‌- تهدف إلى التواصل,
ث- يتحقق فيها الفهم بواسطة التأويل.

وليس غريبا أن يكون الباحثون الذين احتاروا في أمر هذه الظاهرة وتعقدها, هم البادئون إلى تفكيكها, وليس غريبا أيضاً, أن يحاول المختصون في علوم أخرى, كاللسانيات والإيناسة بصفة عامة, تحليل بعض جوانب هذه الظاهرة. إلا أن علم الترجمة traductologie صار يحدد موضوعه, وينشئ مناهجه الخاصة به, مرتقيا, بالتدريج, إلى مرتبة تخصص علمي قائم بذاته.

وسوف نحاول في السطور التالية أن نعرض لأهم النظريات في الترجمة, لاسيما النظرية اللغوية والنظرية التفسيرية.
يعتبر كل من فيدروف وفيني وداربلنيه ومونان وكاتفورد كما ذكرنا من أوائل من دافع عن النظرية اللغوية في الترجمة التي تفترض أن النص الذي يترجم يتكون من الكلمات, وأن هذه الكلمات هي المادة الموضوعية الوحيدة التي تتوفر بين يدي المترجم الذي يقوم عمله على ترجمة هذه الكلمات, ويركز انتباهه على اللغة بمعناها السوسوري (نسبة إلى سوسور Saussure).

يرى فيدروف أن عملية الترجمة عملية لغوية في المقام الأول, وأن كل نظرية في الترجمة يجب أن تدرج في عداد المواد اللسانية. ويطالب فيني وداربلنيه بإدراج الترجمة في إطار اللسانيات, ويقترحان سبع طرق للترجمة وهي الاقتراض أو الدخيل, والنسخ, والترجمة الحرفية, والتحوير, والتكييف, والتعادل, والملاءمة أو التصرف, ويميزان تمييزاً واضحاً بين الفرنسية والإنجليزية. والواقع أن الأسلوبية المقارنة التي يقترحانها هي مادة تلي الترجمة ولاتسبقها, ولايمكن بالتالي أن تكون طريقة لها.

و يقرر مونان في القسم الأول من كتابه المسائل النظرية في الترجمة
Les problèmes théoriques de la traduction

أن "الترجمة احتكاك بين اللغات ولكنها حالة قصوى من الاحتكاك يقاوم فيها المتكلم ثنائي اللغة كل انحراف عن المعيار اللغوي, وكل تداخل بين اللغتين اللتين يتناوبهما", ويقترح أن "تدرس اللسانيات المعاصرة مسائل الترجمة بدلا من أن تبقى الترجمة وسيلة إيضاح لبعض المسائل اللسانية". ويجيب مونان في الفصل الثاني عن السؤال التالي: هل الدراسة العلمية لعملية الترجمة جزء من اللسانيات؟ وتبدأ إجابته بعرض الخلاف بين المترجمين الذين يقولون إن الترجمة فن لا ينحصر داخل حدود اللسانيات, وبين اللسانيين الذين يدعون إلى اعتبار عملية الترجمة عملية لسانية في المقام الأول, ويتخذ موقفا توفيقيا بين الطرفين فيقر بأن الترجمة "فن كالطب, ولكنها فن مبني على علم" (3) هو علم اللسانيات.
وأما كاتفورد فإنه يضع الترجمة في كتابه نظرية لغوية في الترجمة في إطارها الصحيح, وذلك على مستويين: مستوى اللغة الصرف, ومستوى التعبير الكلامي. فهو يهتم على المستوى اللغوي الصرف بجميع مكونات النص, من صوت وحرف وكلمة وعبارة, إلا أنه يتجاوز ذلك إلى مستوى المعنى الذي تهدف إليه العبارة, وقد توصل إلى نتيجة في غاية الأهمية, تضع الترجمة بين حدين رئيسين: الحد الأصغر, وهو السمة, والحد الأكبر وهو المعنى, يؤطرهما مفهوما التكافؤ والتناظر اللذان بدونهما لا تبلغ عملية الترجمة درجة الكمال, إلا أن هذه العملية ليست نقلا على المستويات المفرداتية والمعجمية بقدر ماهي "استبدال" لنص كتب في لغة معينة بنص آخر كتب في لغة أخرى. يقول كاتفورد: " إنه من الضروري لنظرية الترجمة أن تستند إلى نظرية في المعنى. ومن دون نظرية كهذه تظل عدة مظاهر محددة وهامة في عملية الترجمة غير قابلة للمناقشة"(4).

ومن الذين أكدوا على على أهمية نقل المعنى وضرورة إعطائه الأولوية على سائر العناصر الأخرى نايدا الذي ساهم في تطوير نظرية المعادل الديناميكي, حيث يرى أن طبيعة الترجمة تقوم على إعادة إنتاج الرسالة بأقرب معادل لها في لغة الهدف وذلك في ما يتعلق بالمعنى والأسلوب, ويعني بذلك أن يسعى المترجم إلى إيجاد معادل للنص الأصلي وليس إلى إيجاد نص مطابق له, ذلك لأن اللغات تختلف في وسائل تعبيرها, ولايمكن أن تتطابق تطابقا كاملا. ويعتبر بيتر نيومارك Peter Newmark أيضا من أنصار النظرية اللغوية بدفاعه عنها دفاعا قويا في كتابه المعنون كتاب في الترجمة A Textbook of Translation , وقوله: "نترجم الكلمات لأن ليس هناك شيئ آخر نترجمه, لا يوجد على الصفحات سوى الكلمات, فقط لاغير"(5).

ويرى نيومارك أن اهتمام نظرية الترجمة ينصب بشكل رئيس على طرائق الترجمة التي تناسب أكبر عدد ممكن من أنواع نصوص الترجمة أو فئاتها, وأنها تقدم لنا إطار عمل من المبادئ والقواعد المحددة والتلميحات لترجمة النصوص ولنقد الترجمات, أي أنها تقدم لنا خلفية لحل المشكلات المتعلقة بالترجمة. و تبين لنا النظرية أساليب الترجمة الممكنة وتقدم الحجج المؤيدة أو المعارضة لاستخدام ترجمة بدلا من أخرى في سياق معين. ويضيف أن نظرية الترجمة تعنى بالخيارات والقرارات, وليس بآليات أي من اللغتين, وتحاول تقديم أفكار مفيدة حول العلاقة بين الفكرة والمعنى واللغة, وحول المظاهر أو الجوانب العالمية والثقافية والفردية للغة والسلوك, أي فهم الثقافات, وحول تفسير النصوص التي يمكننا توضيحها بل وحتى استكمالها أو الإضافة إليها عن طريق الترجمة. وهكذا نجد أن نظرية الترجمة تغطي مجالا واسعا وتحاول دائما أن تثبت فائدتها, وأن تعين المترجم بتحفيزه على الكتابة بشكل أفضل وعلى اقتراح النقاط المتفق عليها حول مشكلات الترجمة العامة, "فالافتراضات والأفكار حول الترجمة لاتنبع عادة إلا من الممارسة, كما يجب ألا تطرح هذه المقترحات والأفكار دون أمثلة من نصوص أصلية مع ترجماتها"(6).

ويقترح نيومارك عددا من المعايير والأولويات لتحليل النص مثل الغرض من النص أو نواياه, ونوايا المترجم, والقارئ وجو النص, ونوعية كتابة النص وسلطته, ويذكر (ص 48-49) المعايير التي يطبقها منظر الترجمة على ترجمة كل نوع من أنواع النصوص, ثم يقترح (ص 50) طريقتين للترجمة تناسبان أي نص, وهما "الترجمة الاتصالية, حيث يحاول المترجم أن يعطي لقراء اللغة الهدف نفس التأثير الذي يعطيه الأصل لقراء اللغة المصدر, والترجمة الدلالية, حيث يحاول المترجم في حدود القيود النحوية والدلالية للغة الهدف أن يعيد تقديم المعنى السياقي الدقيق للمؤلف", ويعقد بينهما مقارنة مطولة.

ويبدو أن عدم دقة المصطلحات ووضوحها عند نيومارك, وبخاصة عند محاولة التمييز بين الترجمة الدلالية والترجمة التواصلية جعلنا نصاب بالحيرة وصعوبة ما يقصده على وجه الدقة, وأن أبرز ما يميز الترجمة التواصلية عن الترجمة الدلالية هو مبدأ "التأثير المعادل", موافقا في ذلك كولر Koller الذي سبقه في تبني هذا المبدأ. يرى نيومارك أن الترجمة التواصلية تحدث في قرائها أثرا يعادل الأثر الذي يحدثه النص الأصلي في قرائه, وذلك من خلال ملاحظة السياق الذي يدور عليه المعنى الأصلي, بينما تهدف الترجمة الدلالية إلى نقل البنى والدلالات المعجمية للألفاظ من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف وهو ما تقوم به المعاجم على اختلاف أنواعها. و لتبسيط الفرق بين الترجمتين يقدم نيومارك مثالا بترجمة عبارة كتبت باللغة الألمانية ( Hund Bissiger )

أو باللغة الفرنسية ( Chien méchant ) , فعندما نقول "احترس من الكلب " Beaware of dog فإننا نقدم ترجمة تواصلية, بينما إذا ترجمنا العبارة نفسها &بـ " كلب يعض " bites Dog that أو بـ" كلب متوحش" Savage dog فإننا نترجم أو نعبر دلاليا. وعلى الرغم من أن الترجمة الدلالية تعطي "معلومات أفضل ولكنها أقل فعالية وتأثيرا " من الترجمة التواصلية, فالترجمة الأولى للعبارة " أسلس أسلوبا وأكثر بساطة ووضوحاً " بالنسبة إلى القارئ أو السامع من الترجمة الدلالية (ص 83). وبشكل عام, يعتقد نيومارك أن أغلب النصوص تتطلب ترجمة تواصلية, لا دلالية, فمعظم الكتابات غير "الأدبية" والصحافة والمقالات والكتب الإعلامية والكتب الدراسية والتقارير والكتابة العلمية والتقنية والمراسلات غير الشخصية والدعاية السياسية والتجارية والإعلانات العامة والكتابات المقننة والقصص الجماهيرية, كل هذه تشكل حسب اعتقاده مادة نموذجية للترجمة التواصلية, بينما تتطلب الكتابات الإبداعية التي تكون لغة الكاتب أو المتكلم فيها أهم من محتوى كلامه - سواء كانت فلسفية أو دينية أو سياسية أو علمية أو فنية أو أدبية - ترجمة دلالية تكون قريبة ما أمكن إلى أبنية الأصل المعجمية والنحوية( ص92).

الترجمة فن لكنها فن يقوم على العلم. ويرى البعض أن هذا العلم هو علم اللغة أو اللسانيات, وأن من أوضح تطبيقات اللسانيات الحاسوبية محاولة تطوير أداة لترجمة آلية, وأننا نعيش الآن بداية ثورة ستغير العالم: ستقربنا تكنولوجيا الترجمة الآلية بصورة كبيرة من إيجاد نظام اتصالات عالمي, مع المحافظة في الوقت نفسه على ثراء التنوع اللغوي والثقافي وثرائه. وتتمثل أداة هذا التحول في نظام الترجمة الآلي التزامني
Système de Traduction Automatique Synchrone (STAS)(7).

ومن النظريات المهمة في الترجمة النظرية التفسيرية التي تدرس في المدرسة العليا للترجمة الفورية والتحريرية. ESIT تعتبر النظرية التفسيرية الترجمة حلقة من سلسلة التواصل التي تقيم علاقة بين مؤلف النص الأصل من جهة وقارئ النص المترجم من جهة أخرى. تقول ماريان لوديرير Marianne Lederer: " تتصف الترجمة التفسيرية بثلاث مراحل ترد ضمن تسلسل اتفاقي تقريباً, وغالباً ما تكون متداخلة وغير متتابعة, ولكننا نستطيع تقديمها بشكل منفصل لتسهيل العرض: فهم المعنى –تعريته من ألفاظه الأصلية - إعادة التعبير" (8). إن المرحلة المتوسطة ضرورية لتجنب المنامطة (الترجمة اللغوية) والمحاكاة (الترجمة الحرفية). ومن الأمثلة التي تسوقها لوديرير عن منامطة الكلمات والجمل كلمة liberated في المثال
Behind every liberated woman, there is another woman who has to do the dirty work for her,
حيث يؤدي عدم تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية إلى مشكلة في التعبير, والجملة She always knows where his shirts are
التي يؤدي فيها عدم تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية أيضا إلى الترجمة الحرفية. وترى لوديرير أن مسألة تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية مسألة منهجية, وأن الذين لا يدركون ضرورتها تصبح مهمتهم صعبة: " إما أنهم يكتبون ترجمتهم من دون أن تفارق أعينهم النص الأصل, وإما أنهم لايصيغون جملتهم صياغة ذهنية قبل أن يسجلوها على الورق, وتكون النتيجة أكثر رعونة إذا عبروا عن فكرة متحررة كليا من غطائها اللفظي". وتوضح لوديرير هذه النقطة بالجملة
( He starts screaming he didn't marry a woman who would ignore her house and children )
التي أدت إلى عدد كبير من الأخطاء, وكان ينبغي من أجل التعبير عنها أن يتم فهمها بعيدا عن البنية اللغوية كما في الترجمة التالية:
Il pousse les hauts cris en disant que sa femme abandonne ses enfants et son foyer et qu'il ne s'est pas marié pour ça. إن المترجم يفسر كلمات النص الأصلي من أجل فهم معناه, ثم يعيد صياغته لينتج نصا ثانيا, يكون تاثيره على القارئ الجديد هو نفس تأثير النص الأول على قرائه. فإذا كان هدف الترجمة, حسب النظرية اللغوية هو القول, فإنه حسب النظرية التفسيرية, معنى القول:"إن المعنى, بسيطا كان أم معقدا, هو الغاية التي تسعى اللغة إلى بلوغها, وهو العنصر الرئيس للعلاقات بين البشر, وهو أيضا الهدف الذي ترمي إليه الترجمة"(9).
زد على ذلك أن النظرية اللغوية تعتبر أن النص وحدة مغلقة ذات بعد واحد. يتألف النص من مجموعة من الكلمات المتتالية التي تعطي التراكيب التي تؤدي بدورها إلى الجمل. فالنص عبارة عن سلسلة من الجمل. وبالمقابل, يؤخذ النص في النظرية التفسيرية بديناميكيته, أي باعتباره وحدة مفتوحة ذات أبعاد ثلاثة: البعد الأفقي (البعد الأول) الذي تمنحه إياه النظرية اللغوية, والبعد العمودي (البعد الثاني) المتمثل في ارتباط الأفكار والحجج التي يعرضها, والبعد العرضي (البعد الثالث) المتمثل في علاقة النص بنصوص أخرى وفي انتمائه إلى نوع معين. وهكذا نجد أن موقف النظرية اللغوية من النص موقف وضعي, فهي تتخذه حقلا لبحثها وتعتبره وحدة مغلقة بعيدة عن عين المراقب ومستقلة استقلالا كليا عنه, بعكس النظرية التفسيرية التي تتطلب مشاركة المراقب القارئ في النص وذلك عن طريق تفسيرة لما وراء القول وتكيفه مع النص, إذ لا وجود للنص المكتوب من دون تدخل هذا القارئ المراقب الذي يستطيع إظهار المعنى من خلال التفسير, ولاوجود للنص الذي سيكتبه إن لم يأخذ بعين الاعتبار القارئ الذي يتوجه إليه بدوره, أي في بعده التواصلي. فالترجمة لا تتطلع إلى تحقيق المطابقة في التركيب بين الأصل وترجمته, وإنما "إلى تحقيق المطابقة في التأثير على القارئ. و من أجل الحصول على هذه المطابقة "لا بد من تكيف ثقافي في الترجمة يسد الفوارق في رؤية العالم بين مجموعة قراء النص الأصل وجمهور الترجمة الجديد" (10).

سبق أن قلنا إن الصعوبات في الترجمة تتنوع بتنوع النصوص المترجمة, وإن النصوص تنقسم إلى قسمين: النصوص الأدبية, والنصوص العلمية أو المتخصصة. ينتج الفرق بين الترجمة الأدبية والترجمة العلمية عن سببين رئيسين: الاختلاف بين النصوص الأدبية والنصوص العلمية, والاختلاف بين طبيعة عمل المترجم الأدبي وغايته وطبيعة عمل المترجم العلمي وغايته. فغاية المترجم الأدبي غاية جمالية. أما المترجم العلمي فليست غايته غاية جمالية, وتغلب على عمله الغاية وليس الوسيلة, إذ إنه يسعى إلى نقل المعلومات, وإلى الموضوعية والتزام الدقة المتناهية والأمانة في التعبير عن الفكرة التي يريد توصيلها, مع مراعاة ترتيب عناصر النص بالطريقة التي رتبت فيها في الأصل حتى لو تنافى ذلك مع جمال الأسلوب ومنطق اللغة التي ينقل إليها, ويستخدم الأرقام والرموز والمصطلحات والمختصرات التي تصيب الهدف بشكل مباشر. يجب أن تكون لغة المترجم العلمي لغة علمية من حيث المبنى والمعنى ليتمكن من النقل من لغة إلى أخرى, بل إن الأمر يحتاج أحيانا إلى التخصص في المادة التي ينقل منها وإليها, أي إلى الإطلاع والبحث والتوثيق, وهو ما قادتنا إليه طبيعة معظم النصوص العلمية التي قمنا بترجمتها. فالمترجم, مهما بلغت درجة ثقافته, لا يمكن أن يكون متخصصا بجميع المواضيع, لذا يجب عليه أن يبحث عن المعلومات التي تنقصه بالتوثيق في المجال الذي يعالجه النص, وفي لغتي الأصل والهدف, ليكتشف كيفية الحديث عنه, وليفهم, بمعنى آخر, النص الأصل من جهة, والمصطلحات والتراكيب اللازمة لإنتاج الترجمة من جهة أخرى. ترى سيلفيا غاميرو بيريز أن النصوص المتخصصة تتميز أساسا باستعمال ما يسمى لغات التخصص, وتحدد خمسة مستويات من المهارات يجب أن يتمكن منها المترجم المحترف, وهي معلومات حول المجال الموضوعاتي, و امتلاك المصطلحات الخاصة, والقدرة على الاستنتاج المنطقي, والتعرف على أنواع النص وأجناسه, والقدرة على اكتساب الوثائق. (11). ويرى البعض أنه يمكن الحصول على الوثائق من المصادر التالية: المختصرات, والموسوعات, ومختصرات دراسة الأسلوب وتحرير النصوص, والمجلات العامة, والمجلات المتخصصة, ومجلات ملخصات الأبحاث, ومحاضر المؤتمرات, وأطروحات الدكتوراه والماجستير, والتشاور مع المختصين, وأنشطة المختصين(12).

إن المترجم العلمي يواجه يوميا لغات متخصصة وكما هائلا من المصطلحات, ويحتاج إلى إيجاد أو وضع مقابل لها في اللغة التي يترجم إليها, ولهذا يتعين عليه الاستعانة بالمعاجم العلمية المتخصصة من أجل التحقق من انتماء المصطلحات التي يستخدمها إلى العلم الذي ينتمي إليه النص, وقد تسعفه المعاجم والقواميس في ذلك وقد تخذله, وربما يسأل أهل العلم والاختصاص أو يضطر إلى وضع ما يقابلها. وإن لكل لغة علمية أو مختصة مصطلح وأسلوب خاصين بها, فالمترجم العلمي العربي يواجه في كثير من الأحيان نصوصا حررها مختصون يستخدمون للحديث عن مجال تخصصهم أداة مفهومية يرون أنها ضرورية لنجاح تحليلهم, ويلجؤون أيضا إلى عبارة مختصة توفر للمعلومة العلمية الصرامة المطلوبة. ترى فائزة القاسم أن المترجم إلى اللغة العربية يتعرف خلال مرحلة كتابة النص ثغرات معجمه فيلجأ إلى الخطوات التالية: العمل على النص الذي يحاول فيه المترجم امتلاك الأدوات المفهومية, وتحمل توقعات المتلقي الأخير الذي يضيف فيه معلومات لتأمين وضوح الرسالة, ويعد بلاغة تقنية تنم عن نظام متكامل من الإحالات الثقافية ليجعل الرسالة مفهومة لدى جمهور كبير, ومسار المترجم الذي يلجأ فيه إلى الصياغات الجديدة بطريقة النسخ عن الأصل الأجنبي, وإلى استخدام مصطلحات اللغة الدارجة لتسمية مفاهيم غير معروفة وابتداع المصطلحات مع مراعاة قوانين اللغة العربية الفصحى, وإلى التأويل/ الشرح, والنحت, والمنهجية المناسبة التي تتضمن معرفة الموضوع, والاستعداد للتحليل والتركيب, والفهم الجيد للغة الأجنبية, وإجادة استخدام اللغة الأم, وإنشاء بطاقات مصطلحية (13).

ومن البدهي أن سعي المترجم العلمي يحد كثيراً من حريته في التعامل مع النص, ويطمس كل ما يدل على شخصيته. غير أن التزام الدقة المتناهية شرط من شروط الترجمة العلمية. ويكفي البرهنة على ذلك أن نذكر النتائج التي قد تترتب على الترجمة الخاطئة لبعض الرموز أو المصطلحات العلمية أو المعادلات الكيميائية أو الرياضية أو لطريقة تركيب دواء ما أو لطريقة تشغيل جهاز كهربائي ما.

أما المترجم الأدبي فإنه يتمتع بقدر كبير من الحرية في التعامل مع النص الذي يترجمه, ويستطيع, على الرغم من مراعاته الدقة والأمانة في الترجمة, أن يحذف شيئا هنا ويضيف شيئا هناك لابل أن يركب الكلام وفقا للغة وقواعدها (14).

إن المترجم الأدبي والمترجم العلمي مدعوان دائما إلى أن يكونا وفيين أمينين للنص الأصلي, أي إلى تقديم نص مشابه ما أمكن, بحيث يتوهم قارئ الترجمة أنه أمام النص الأصلي لا أمام ترجمته, أي أمام تعبير تلقائي وواضح, إذ إن الترجمة, أو غايتها هي إعفاء القارئ من قراءة الأصل, وهي أيضا العلم والفن الضروريان لتجاوز التناقض الكامن بين متطلبات الأمانة ومتطلبات الصياغة المبدعة, بين نص النص وحرفيته من جهة وبين مغزاه ودلالته وروحه من جهة ثانية. ولذلك فإن خيانة المترجم الأدبي, ليست خيانة طوعية بقدر ما هي خيانة جبرية تفرضها طبيعة النص الأدبي والشعري على وجه الخصوص, وإنها قد تتكرر في كل نوع من الأنواع الأدبية لأنها تلتقي عند انطلاقها من تجربة ذاتية مكثفة, وظروف معينة, وبيئة خاصة, وثقافة مميزة.

و أما صعوبة ترجمة النصوص العلمية والمتخصصة فتكمن في موضوع التخصص, والمصطلح, وقواعد اللغة والأسلوب, فهي نصوص جافة تخلو من الجماليات والتنميق والزخرفة خشية ضياع المعنى.

إن ترجمة المصطلح في غاية الصعوبة لأنها ليست محصورة فقط في ابتكاره, وإنما أيضا في تعدد المصطلحات للمرجع الواحد وذلك حسب نوعية النص العلمي والتقني الذي سنترجمه أولا ثم لأن هذه المصطلحات قد تكون في النص المصدر الذي وردت فيه مصطلحا مترجما من لغة أخرى ثانياً, فكم من مرة ترددنا في ترجمة Ordinateur إلى العربية, وفي الاختيار بين "رتابة" و"منظملة" و "حاسب" و"حاسوب" و" كومبيوتر". وكم من مرة شعرنا بأن الكلمات في بعض النصوص العلمية مستهجنة لأنها هجينة بالفعل, لأنها ألفاظ لاتينية كتبت بأحرف عربية تخلو كليا من أي معنى يتصل باللغة أو بالمادة التي نترجم منها, فقد باتت ولادة المصطلح العلمي العربي رهينة بوجود المصطلح الغربي, وأمسى تداول المصطلحات العربية والخطاب العلمي بين المختصين مرتبطا بدرجة تمكن المتلقي من المصطلحات الغربية ومفاهيمها وهذا ينم عن أمرين اثنين: " أولهما أن الجهاز المصطلحي العربي يكاد يكون غربيا في مفاهيمه وشبه عربي في صياغته, وثانيهما أن مهمة الفكر العربي ظلت منحصرة في محاولة استيعاب المفاهيم العلمية الغربية ونقلها إلى العربية في صورة قوائم مفردات جلها معرب تعريبا صوتيا لا أقل ولا أكثر"(15) وقد زادت المعاجم المتخصصة هذه المشكلة تعقيدا بسبب عدم شمولية هذا المعجم أو اختلافه مع معاجم أخرى في اعتماد المصطلح أو بسبب عدم شرح المصطلح وعدم اختيار المقابل المناسب له أو في تبنيه بعض الحلول الغريبة كالنسخ البنيوي الذي يقوم على تركيب لغوي لاوجود له في اللغة العربية (ذهبيك= aurique) , وتهجين طرائق النقل الذي يقوم على مزج طريقتين مختلفتين من أجل نقل المصطلح العلمي الواحد, ومن ذلك مزج النسخ الدلالي والتعريب اللفظي, كما في: مضاد الكلور antichlore , والنسخ الدلالي وتوليد كلمة جديدة , كما في: تأكسد ذاتي autooxydation. (16)

إننا نفتقر نحن العرب إلى دراسة تقوم على علم المصطلح Terminologie , وهو علم أساسي في التوصل إلى ترجمة صحيحة دقيقة تنير القارئ عوضا عن تضليله أو إرباكه لاسيما في ما يتعلق بالنصوص العلمية والمتخصصة.

و سنستعرض هنا الصعوبات والعقبات التي ينبغي على المترجم العلمي أن يذللها في أثناء القيام بترجمة النصوص الطبية بوصفها مثلا عن كل العلوم والصعوبات التي تواجه المترجم أثناء عملية الترجمة. يمكن القول إن كلمات مثل إيدز AIDS أو سارس SARS أو ألزهايمر Alzheimer أو مرض باركنسون Parkinson لم تعد مستهجنة في اللغة العربية لأننا أصبحنا نستعملها بشكل دائم, لكن ذلك لاينفي وجود كلمات ومصطلحات أخرى بعيدة كل البعد عن استعمالنا اليومي. و إننا نصطدم في عالمنا العربي بمشاكل "نحت المصطلح", فلغة الاختراع هي لغة المخترع, لذا ينبغي علينا أن نبحث عن مقابل في لغتنا يحمل معنى المصطلح في اللغة الأصلية.

إن الطب مثلا جزء من حياتنا اليومية, ويستهوي الكثير من الناس, لذلك فإن لغته تتطلب وضوحا تاما في المقام الأول لأن الطب يعني من هم غير متخصصين في العلوم الطبية أيضا. ولهذا نرى أن اللغة الطبية لغة اتصال فعالة, ومحددة, وتخلو من كل التباس, وتلبس فيها الكلمة لباساً معنوياً واحداً. ومع ذلك, نقع أحيانا على كلمات أو مصطلحات أو رموز غامضة ومستهجنة.

و لا بد أن المتابع للعلوم الطبية قد لاحظ أن لغتها فرنسية كانت أو عربية تقع اليوم تحت تأثير الغزو الإنجليزي، لأن هذه اللغة أصبحت اليوم لغة الاتصال العالمي, لذلك نرى أن بعض المصطلحات العربية مأخوذة عن اللغة الإنجليزية كلياً أو جزئياً. ونعتقد أن المترجم الذي يدرك كل الإدراك متطلبات هذه النصوص يقوم بخطوة واحدة على طريق الألف ميل. لذا ينبغي عليه قبل البدء بعملية الترجمة أن يقوم بالبحث والتمحيص كي يلم بكافة المصطلحات, وأن يفرق في استعمال اللغة استنادا إلى الجمهور فيستعمل المصطلحات العامة إذا كان جمهوره من العامة والمصطلحات المتخصصة إذا كان جمهوره من النخبة المتخصصة.

ومهما كان المترجم عالما بأمور الطب إلا أنه ليس طبيباً, لذا ينبغي عليه أن يقوم ببحث شامل مع كل نص طبي يترجمه, ويعتبر خائنا للنص المصدر إن لم يقم بذلك, بسبب عدم معرفته بأمور الطب أو لأن تحصيله أقل في هذا المجال مما جاء في النص المصدر. ويعاني المترجم أيضا من تعدد معاني الكلمة الواحدة, وعدم توافق الكلمات المستخدمة والسياق, والاستعمال الخاطئ لبعض المرادفات, واستعمال المختصرات الفرنسية أو الإنجليزية من دون تفسيرها, واستعمال كلمات علمية لم يرد ذكرها في المعاجم المتخصصة, وذلك لأن اللغة في تطور دائم ولأن وتيرة الإكتشافات أصبحت يومية, وهناك كلمات مستحدثة تولد وأخرى تموت كل يوم.

زد على ذلك أن المترجم يصطدم بعقبة المعاجم التي كثيرا ما تشبه لوائح كلمات ترد فيها المعاني الأجنبية مقابلة للمعاني العربية من دون شرح أو تفسير, والتي ليست دائما محط تحديث وتطوير أو التي نقع فيها على ترجمة حرفية أو على نقل للمصطلحات الأجنبية بحروف عربية لا يمت فيها اللفظ إلى العربية بشيئ أو على بعض الأخطاء العلمية والإملائية (17).

وقد تناول محمد المناصف قوائم المصطلحات الواردة في المعجم الموحد لمصطلحات علم الصحة وجسم الإنسان من خلال قواعد اختيار المصطلح العلمي التالية: مقاييس الاختيار اللغوية (تجنب الاقتراض, ومقاييس بنيوية, وتجنب الكلمات العامية ), ومقاييس دلالية (تفضل الكلمة الدقيقة على المبهمة, وتفضل من بين المترادفات أو القريبة من الترادف اللفظة التي يوحي جذرها بالمفهوم بصفة أوضح, وتتجنب تعدد الدلالات), ومقاييس اجتماعية- لغوية (الاستعمال, واحتكاك العامية بالفصحى, وجمالية اللفظ) (81).

ولحل مسألة المصطلحات الطبية يمكن أيضا العودة إلى المعاجم القديمة كما جاء على لسان جيرار تروبو Gérard Troupeau الذي اقترح كلمة هيضة التي تعني في أيامنا هذه Choléra بينما كانت تعني في القديم indigestion , أو اعتماد كلمتين كي نعني كلمة واحدة وذلك لعدم وجود جذر في هذه الكلمات أي (إلتهاب المفاصل= arthrite) , وأخيرا وهو الحل الأخير والأكثر شيوعا استعمال الكلمة عينها في اللغتين تيروكسينيميا= thyroxinemie. ويبقى أن اختيار الكلمات أو المصطلحات المناسبة, وفك الرموز, وتفسير المختصرات لا تمثل كل العقبات التي يصطدم بها المترجم أثناء الترجمة, فلايكفي أن يعرف ماذا ينبغي عليه أن يقول بل عليه أن يعرف أيضا كيف يقوله, فترجمة النصوص الطبية أو العلمية ممكنة, بشرط أن تقوم على أسس كتابة النص الطبي, وهذا الأخير ليس سوى مثل عن كل العلوم والصعوبات التي يعاني منها المترجم أثناء عملية الترجمة. وعلى الرغم من كل التطورات التي طرأت على ميدان الترجمة وتقنياته يبقى المترجم عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه فهو من يقوم بالخيار الصحيح والصياغة المطلوبة.

إننا نرى في الترجمة فنا, و علما, وتطبيقا. فالترجمة موهبة, وممارسة, وحرفة, وبحث . الترجمة فن وحرفة وهذا ما تؤكده المقالات والكتب العديدة التي تصدر باللغات العربية والأجنبية, والتي تحمل عنوان "فن الترجمة" أو "حرفة الترجمة". و قد عدها بعض الكتاب فنا وحرفة في آن واحد (19). الترجمة, على حد قول الدكتور محمد عناني, " فن تطبيقي", أي حرفة لا تتأتى إلا بالتدريب والمران والممارسة, " استنادا إلى موهبة", وربما كانت لها جوانب جمالية وإبداعية (20), لأن الإبداع هو أهم عنصر في الفن. وهذا يعني أنه لا يمكن لأستاذ في اللغة والأدب, أو في كليهما, أيا كان حظه من العلم بالفرنسية أو العربية (بل أيا كانت معرفته بنظريات اللغة ) أن يخرج لنا نصا مقبولا مترجما عن إحدى اللغتين دون "ممارسة طويلة للترجمة". فلا توجد في رأينا طرق مختصرة للإجادة في الترجمة, فلا كتب المتخصصين التي أشرنا إلى بعضها هنا, ولا الكتب العامة, ولا هذه الدراسة بمغنية عن الممارسة والخبرة. وأقصى ما نستطيع أن نفعله - نحن المدرسين والمترجمين- أن ننقل بعض علمنا وخبراتنا إلى طلابنا, وأن نقدم لهم بعض الحلول التي اهتدينا إليها أو اهتدى إليها جيلنا, والتي سوف تمسها يد التعديل مع التقدم والتطور الحضاري, إذ ليس هناك حل وحيد صحيح أو ترجمة وحيدة صحيحة, فالنص نفسه قد يترجم عدة مرات, لاعتبارات متعددة منها رداءة بعض الترجمات, وتطور العلوم الإنسانية واللغوية, والفائدة المضاعفة.

المصدر