الجمعة، 28 يناير 2011

صدور الترجمة العربية لسلسلة "ابدأ القراءة" للأطفال

الأربعاء، 26 يناير 2011 
الكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ ناصف
الكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ ناصف
 
كتب بلال رمضان
صدر عن دار الطلائع للنشر للكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ ناصف، سلسلة كتب مترجمة بعنوان "ابدأ القراءة"، وهى سلسلة كتب مترجمة للأطفال من سن ما قبل المدرسة إلى السابعة وتقع فى ثلاث مستويات فى عشرة كتب لعدد من كُتَّاب الأطفال الأمريكان، وتهدف من خلال الحكايات تعليم الأطفال القيم النبيلة وذلك فى سياق درامى مشوق للأطفال.

وأوضح محمد ناصف لليوم السابع أنه يرى أن هذه المجموعة المترجمة تسد نقصًا فى كتب الأطفال فى تلك المرحلة العمرية، مشيرًا إلى أنه من المنتظر صدور عدد من باقى السلسلة، وسوف يقيم المركز القومى لثقافة الطفل حفل توقيع بمعرض الكتاب حفلاً لتوقيع هذه السلسلة.

ومن هذه الأعمال "الفأر والبومة" لجوان هوفمان، "اللبان على الطبلة" لباربارا جريجوريش، "الدراجة الجديدة" لمارى فينجى، "أريد أن أكون مهرجًا" لسارون سليتر، "ليس هذا كل شيء" لريكس شندر"، "اذهبى بعيدًا يا بيكا" لشيرلى سيمون، "سو تحب اللون الأزرق"، "الثعلب على الصندوق"، "عاليًا تصعد العنزة"، لباربا جريجوريش، "ضوضاء فى الليل" لبروس ويتى.

الخميس، 20 يناير 2011

ترجمة "بحر أكثر" إلى العربية

غلاف كتاب "بحر أكثر" (الجزيرة نت)

صدر عن مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث ترجمة كتاب جديد بعنوان "بحر أكثر" لمؤلفته إلما راكوزا الحائزة على جائزة الأدب السويسرية، وقام بترجمته إلى اللغة العربية كاميران حوج.

وتتذكر الكاتبة والمترجمة والناقدة الأدبية إلما راكوزا في "بحر أكثر" طفولتها، وترحالها من بلد إلى بلد ومن بيت إلى بيت، كما تتذكر حقائب السفر والأب واللغات الكثيرة التي تتكلمها، وتترجم منها إلى الألمانية.

يتكون الكتاب من 69 بابا تعود فيه راكوزا بذكرياتها إلى طفولتها، لتعرض من خلالها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في وسط أوروبا المنقسمة إلى شرق وغرب، حيث قضت طفولتها متنقلة بين بودابست وليوبليانا وتريست وزيوريخ، فتنقل لنا حكاية المهجر الدائم، الترحال ووداع الأصدقاء وصعوبة اللقاء.

ويحكي الكتاب قصة الفتاة إلما راكوزا التي ولدت في المدينة السلوفاكية الهنغارية ريمافسكا سبوتا، والدتها هنغارية ووالدها سلوفيني الأصل، لتهاجر وأهلها إلى غرب أوروبا بعد انهيار أحلامهما في شمال شرقها.

فقد هاجروا كثيرا وتنقلوا من سكن إلى سكن آخر، كما عانوا من شكوك الغربيين والاستهانة بهم، غير أن الفتاة شيئا فشيئا تتأقلم مع الواقع الجديد، أو بالأحرى ترغم نفسها على التأقلم معه، دون أن تنسى أصولها وجذورها التي تشتاق إليها.

وتعرض الكاتبة في روايتها حياتها شاعرة وعازفة بيانو ماهرة ورغم تنقل فؤادها بين جهات الأرض الأربع، يبقى حبها للشرق الرحب كبحر وأكثر، فكلما تذكرت أمرا، تداعت في خيالها صور أكثر جمالا، فترحل من ذكرى لذكرى.
 
ولهذا تأتي نصوصها القصيرة مثل ومضات شعرية تعكس إحساسها المرهف بالأمكنة، دون أن تغفل الكتب التي تأثرت بها منذ طفولتها وعلاقاتها الغرامية وعشقها الأكبر "البحر".

ولدت المؤلفة إلما راكوزا في يوغسلافيا السابقة عام 1946، وتعيش حاليا في زيورخ متفرغة للكتابة والترجمة، وهي اليوم نائبة رئيس الأكاديمية الألمانية للغة والشعر، حصلت على جائزة الأدب السويسرية للعام 2010 في معرض الكتاب ببازل في سويسرا، وهي تعد أعلى جائزة أدبية سويسرية.

ولراكوزا مؤلفات عديدة، "قصص 1982"، "الكلمات 1992"، "عبر الثلج 2006"، ولها مقالات ومحاضرات عديدة وفي مجالات متنوعة.

أما مترجم الكتاب كاميران حوج فقد ولد عام 1968 في تل عربيد في سوريا، ويعيش اليوم في ألمانيا متفرغا للترجمة، من ترجماته أيضا "ألاس اس" و"في خطو السرطان" و"أعمال باتريك سوزكند" و"مسح العالم" و"الغرب".
 

الأربعاء، 19 يناير 2011

عِلل الترجمة.. ميزانها المختلّْ

باحثة مغربية تطالب بـ «تفعيل معقلن» لحركة الترجمة إلى العربية

عِلل الترجمة.. ميزانها المختلّْ

 صورة 1 من 1 

الخميس 06 يناير 2011
محمد نجيم
قبل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، كان حضور الأدب العربي الحديث شبه منعدم في المشهد الثقافي الفرنسي. فباستثناء مجهودات دار سندباد التي عززت ترجمات متفرقة سابقة ـ وهي مسنودة من قبل الحكومة الجزائرية وبعض الجمعيات العربية ـ أهمل الاستشراق الفرنسي تجربة الأدب العربي الحديث، مفضلا عليها المدونة الكلاسيكية”. وقد ساهم”منح جائزة نوبل لروائي عربي برأي الدكتورة فاتحة الطايب في تزامن مع بداية النشاط الفعلي لمعهد العالم العربي بباريس ـ في انخراط الروايات العربية وبشكل متواتر في مسار ترجمات الروايات الأجنبية إلى اللغة الفرنسية. إذ أصبحت اللغة الفرنسية اليوم ـ ورغم بعض التراجع الذي تشهده بين الحين والآخر ترجمة الإبداع العربي إلى هذه اللغة لأسباب سياسية ـ تتصدر اللغات الأوروبية المترجمة للأعمال العربية الحديثة. ولهذا تأثيره الإيجابي على الآداب العربية، إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار استمرار الفرنسية في أداء دور الوسيط الأدبي في أوروبا رغم زحف اللغة الإنجليزية.
انكسار الأحادية
وترى الباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة فاتحة الطايب في كتابها “الترجمة في زمن الآخر: ترجمات الرواية المغربية إلى الفرنسية نموذجا” أن “اهتمام فرنسا والدول الأوروبية بوجه عام بالإنتاج الروائي العربي- بعد جائزة نوبل - يؤكد ارتباط عملية الترجمة إجمالا بإشعاع الكتابة، الذي يفترض فيه الارتكاز على تميز النصوص في لغاتها الأصلية”.

كما ترى أنه إذا كان “يحق لمن يتأمل في الانقطاعات المتتالية لحلقات “النهضة العربية”، وتعثر المسيرة الثقافية العربية بوجه عام، أن يطالب بالتفعيل المعقلن لحركة الترجمة إلى العربية، حتى يصبح هذا العصر عصر الترجمة بامتياز بالنسبة للعرب - من منطلق كون الترجمة سلاحا فعالا في معركة التحديث واكتساب الوعي في بلدان ما يسمى “بالعالم الثالث” ـ يحق لنا نحن أيضا الإعلان ولو بحذر شديد- ونحن نتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية إلى اللغات الأوروبية في العقود الأخيرة - بأن الزمن الترجمي لم يعد أحادي الاتجاه. فعملية المثاقفة بين العرب والأوروبيين في المجال الروائي أصبحت تجري، رغم كل ما يعتورها من نقص وقصور، في اتجاهين بدل اتجاه واحد، بفضل تدعيم جائزة نوبل ـ النسبي ـ لتفاعل الرواية العربية مع منطق حداثة تتأسس على دينامية التمازج والتفاعل، وتزامن هذا الأمر مع اضطرار جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى التزود بالإنتاج الروائي المزدهر خارج أوروبا، لملء الفراغ الذي تعرفه أنساقها الثقافية على مستوى الإنتاج الروائي المتميز”. وتمثل فرنسا حسب رأي الباحثة “حالة نموذجية في هذا المضمار. فالنسق الأدبي الفرنسي، الذي عرف صولات وجولات في الفن الروائي، بدأ يشعر منذ السبعينيات من القرن العشرين – وهي الفترة التي اكتسبت فيها الرواية العربية بريقا خاصا - أنه بحاجة ماسة إلى أن يطعم بما تنتجه الثقافات المغايرة من روايات متميزة، بعد أن اتضح للمهتمين بالشأن الثقافي بفرنسا بأن النوع الروائي لم يعد يمثل عنصرا وازنا في الإنتاج الأدبي الفرنسي”.وهكذا أصبحت فرنسا، التي تترجم سنويا ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف كتاب ـ أي ما يعادل تقريبا 15% من الإنتاج السنوي لدور النشر الفرنسية ـ أصبحت تخصص حيزا هاما للإنتاج الروائي العالمي ضمن ترجماتها.
ففي 2003 أصدرت دور النشر الفرنسية 455 رواية مترجمة من بينها روايات عربية. وفي 2005 بلغت نسبة الروايات المترجمة 42.7 % من مجموع الروايات الصادرة بفرنسا.
ورغم هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة إرسال على هذه النسبة، تليها اللغة الإسبانية فالألمانية فالإيطالية فالروسية واللغات الإسكندينافية، استطاعت اللغة العربية الإعلان عن حضورها إلى جانب بعض لغات أوروبا الوسطى والشرقية: ففي نفس السنة، ترجم خالد عثمان رواية “كتاب التجليات” لجمال الغيطاني، فحصلت على جائزة لور باتيون، بصفتها أهم رواية مترجمة إلى الفرنسية من بين 800 رواية مترجمة من لغات مختلفة. وفي نفس السنة أيضا، ترجم فيليب فيغرو رواية “المجوس” لإبراهيم الكوني، فعززت هذه الترجمة مكانة الكوني في الحقل الثقافي الفرنسي حيث مثل هذا الروائي الليبي أدب القرن الواحد والعشرين إلى جانب 50 روائيا من جميع أنحاء العالم في استطلاع لمجلة “لير”.
أما رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني، فقد استطاعت فرض نفسها في السوق الفرنسية ـ باعتبارها الكتاب العربي الأكثر رواجاً ـ فور صدور ترجمتها إلى الفرنسية من قبل جيل غوتييه في السنة الموالية (2006).
أسئلة صميمية
إن هذا التطور النسبي الملموس في مسار علاقة الإنتاج الروائي العربي بالآخر، يؤشر ولو من بعيد - حسب الباحثة - إلى بداية أفول عهد تبعية العرب للغرب في المجال الروائي. غير أن هذا النوع من التحرر وبخلاف ما توقعه كل من أسقط على الأدب المترجم أطروحة انفراد الأدب بمسار خاص له استقلاليته النسبية، لا يسير في اتجاه التأثير المستقبلي العميق في مسار العلاقات الأدبية العربية - الأوروبية المختلة لغير صالح العرب، مما كان سيستتبع بالضرورة هز منظومة التبعية باعتبارها نظاما اجتماعيا وحضاريا شاملا.
وتتساءل المؤلفة: هل نكتفي بالقول إن حركة الترجمة من العربية حركة جنينية، تحتاج ـ وهي تناضل ضد تاريخ طويل من التهميش، في عصر تسوده المنافسة الشديدة بين إنتاجات ثقافات متعددة - إلى مزيد من الجهد والوقت لكي تؤثر في العلاقات الأدبية العربية الأوروبية؟ أم أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بنوعية كثير من النصوص المختارة للترجمة، وبطبيعة النص المترجم، وبالشروط والظروف المحيطة بعملية الترجمة من العربية الحديثة إلى لغة غربية في النسقين معا: العربي / المرسل والغربي /المستقبل؟”.
وتجيب: “استنادا إلى الوحدة الثقافية التي تربط ما بين البلدان العربية، والتي تؤدي إلى استحضار الأدب العربي ككل كلما تعلق الأمر بدراسة أدب بلد من البلدان العربية، نرى أن بإمكان دراسة مقارنة لترجمة إنتاج أي قطر من الأقطار العربية إلى اللغات الغربية – في ارتباط بالأسئلة التي يطرحها على الدارس النسق الأدبي الخاص بهذا القطر- أن تضيء هذه المسألة شريطة عدم الفصل بين مشكلات الترجمة والتلقي المشروطة بذهنية مختلفة، ومشكلات الكتابة في النسق الأم”.
كما ترى الباحثة انه باستثناء بعض الدراسات شبه النادرة التي اهتمت بالشروط المحيطة بعملية ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسية، وعلى رأسها أطروحة أنس أبوالفتوح باللغة الفرنسية (1994- باريس4)، المخصصة للإنتاج الشعري والنثري المشرقي بعنوان: “تلقي الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية بعد جائزة نوبل المصرية 1988”، ركزت الدراسات العربية القليلة، التي تناولت بعض الإنتاجات الأدبية العربية المترجمة إلى بعض اللغات الغربية قبل وبعد نوبل ـ ونذكر من بينها على سبيل المثال دراسة عبده عبود (“هجرة النصوص” 1995) ـ ركزت على دور الترجمة في تشكيل صورة العربي في العالم الغربي، في معزل عن عملية المقارنة وعن ربط إشكالات الكتابة بإشكالات الترجمة والتلقي.
الرواية المغربية: نموذجاً
وفي سياق هذين السؤالين درست الباحثة طبيعة علاقة النسق الأدبي المغربي بالنسقين العربي والغربي: ما هو حظ مساهمة ترجمة الرواية المغربية إلى اللغة الفرنسية، في أواخر القرن العشرين، في تطوير النسق الأدبي المغربي وتأكيده لاستقلاليته كنسق منتج، باعتبار الترجمة عاملا مساعدا على تطوير وتحديث النسقين اللذين ينتمي إليهما النص المترجم: النسق الهدف الذي يغتني من إنجازات الثقافات الأخرى، والنسق المصدر الذي تحثه عملية ترجمة إنتاجه على الابتكار والاستمرار في البحث؟.
إن الأطروحة التي تتبناها رسالة الدكتورة فاتحة الطايب، تميز بين مسار الأدب في اللغة الواحدة، ومساره عندما ينتمي بفعل الترجمة إلى لغتين وثقافتين مختلفتين: فإذا كان تطور الرواية العربية في مجتمعات مستلبة وتابعة ومتخاذلة يؤكد انفراد الأدب بمسار خاص يتأسس على منطق له استقلاليته النسبية، فإن ترجمتها إلى اللغات الغربية تؤكد في المقابل التأثير الشديد للمستوى المادي للمجتمع على الأدب المترجم، وهذا يعني أن مساحة استقلالية الأدب تضيق خارج حدود الثقافة واللغة الواحدة، فعلاقة القوة التي تربط المجتمع المغربي/المرسل بالمجتمع الغربي/المستقبل، تؤثر بشدة على مسار الرواية المغربية المترجمة إلى الفرنسية.
وقد اشتغلت المؤلفة على روايات معروفة في الأدب المغربي وهي: “دفنا الماضي” لعبد الكريم غلاب 1966- ترجمة فرنسيس كوان، “الغرب” لعبد الله العروي 1971- ترجمة كاترين شاريو، “الخبز الحافي” لمحمد شكري 1972-ترجمة الطاهر بن جلون، “بيضة الديك “ لمحمد زفزاف 1984- ترجمة سعيد أفولوس، “لعبة النسيان” لمحمد برادة 1987- ترجمة عبد اللطيف غويرغات بمساعدة إيف غونزاليس كيخانو،”عين الفرس” للميلودي شغموم 1988-ترجمة فرانسيس كوان،”مجنون الحكم” لبنسالم حميش 1990- ترجمة محمد سعد الدين اليمني، و “الضوء الهارب” لمحمد برادة 1993-ترجمة كاترين شاريو.
وترتبط أهداف ترجمة الرواية المغربية – كما تقول المؤلفة – “بانتماء المترجمين، فإن كان المترجم وطنيا أعلن أنه يعمل، من خلال الترجمة، على التعريف بالرواية المغربية وبمؤهلات وإمكانات الذات المغربية، وإن كان فرنسيا صرح أنه يعمل على توطيد ثقافة التسامح والتعارف وتبادل الحوار”.
كما ترى الباحثة في مقدمة هذا البحث القيم “إن من مصلحة هذه الأمة أن يتم تعديل ميزانها الثقافي الخارجي. لكن الإنجازات الترجمية، تكرس بوعي وبغير وعي واقع التمايز، وتؤكد أن انعدام التلازم الآلي بين التطور المادي للمجتمع ومستوى الإبداع الفني في الثقافة واللغة الواحدة، قد يتحول إلى شبه تلازم حينما يتعلق الأمر بالترجمة بين لغتين كالعربية والفرنسية.
فرغم النوايا الحسنة التي يعبر عنها المترجمون وكتاب المقدمات والخواتم والناشرون والصحفيون، وطنيين كانوا أم أجانب، يعتبر المستوى المادي للمجتمع مقرونا بمخزون من التراكمات التاريخية والنفسية والسياسية مؤثرا في مسار ترجمة إبداع عربي إلى نسق ثقافي غربي. فالترجمة من العربية إلى الفرنسية التي تندرج ضمن علائق القوة التي تسود الثقافات المتباينة وتتحكم في اللغات، ممارسة سياسية بالمعنى الواسع للكلمة، تترجم بعمق العلاقات المعقدة والمتشابكة القائمة على الصراع والتوتر، مابين الدول الغربية والدول العربية الإسلامية بوجه عام.
كما تؤكد على أن الترجمة من لغة ثقافة يصارع مثقفوها مركبات النقص التي أفرزها موقع أوطانهم في العالم، إلى لغة ثقافة ما تزال رغم أزماتها تذكي مركب التفوق لدى مواطنيها، عملية تتحدى منطلقاتها وأهدافها أحيانا كثيرة وتنتج نصوصا تكشف عن طبيعة العلائق التي تربط بين الثقافتين على مستويي التاريخ والواقع.

المصدر

الأربعاء، 12 يناير 2011

عندما يتحوّل المترجم الفوري إلى وسيط إجتماعي من أجل الإندماج

التعليق على الصورة: مع توجه الحكومة السويسرية لدعم جهود الإندماج يتزايد الإقبال على خدمات المترجمين الفوريين الإجتماعيين خاصة في مجال الصحة والتعليم والمرافق الإجتماعية.(Interpret) ()

 لتعزيز إندماج الأجانب في سويسرا، يدعم المكتب الفدرالي للهجرة 15 مركزا لخدمات الترجمة الفورية الاجتماعية التي تزايد الطلب عليها خلال العام الأخير بنسبة 18% خاصة من طرف القطاع العام في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.


ويشيد تقرير "مستقبل سياسة الاندماج في سويسرا" الصادر العام الماضي عن المكتب الفدرالي للهجرة بأهمية الدور الذي لعبه المترجمون الفوريون في جهود الاندماج، ويعتبر عملهم أحد المرتكزات الثلاث الفعالة في هذا المجال.
 
ومن المرجّح جدا أن يتعاظم هذا الدور مع توجه الحكومة السويسرية في المستقبل إلى اعتماد إجراء جديد يهدف إلى عقد لقاء فردي مع كل قادم جديد إلى البلاد بهدف تعريفه بمحيطه الجديد، ودعوته إلى الإستفادة مما هو متاح له، وعدم التهاون في الالتزام بما تمليه عليه القوانين.
 
ورغم أن هذه الخدمة غير معروفة على نطاق واسع في سويسرا، فإن ميكائيل موللّر، أمين عام الجمعية السويسرية للترجمة الفورية الاجتماعية الذي كان يتحدث إلى swissinfo.ch يعتقد أنها" سوف تنمو وتتسع بشكل كبير في السنوات المقبلة، مع وجود سعي حكومي جاد لدعم جهود الاندماج".
 
وترجع سونيا سوبا، مسؤولة قسم "الوساطة" (Intermedia) بجمعية "انتماءات" المتخصصة في مساعدة الأجانب بكانتون فو هذا الدور المتزايد لخدمات الترجمة الفورية الإجتماعية إلى "وعي المسؤولين في كل المرافق المهتمة بالأجانب بأهمية هذا الدور"، ويعزز ذلك القانون السويسري نفسه الذي يضمن كما تقول سوبا: "للمهاجرين الاستعانة بمترجم فوري عندما تنعدم لغة تواصل مشتركة بين طرفين، أو عندما يكون أحدهما غير مرتاح في اللغة التي سوف تستخدم خلال اللقاء".
 
لكن عبد الحق الغزواني، أخصائي نفسي سويسري من أصل مغربي متعاون مع جمعية "انتماءات"، يقول في حديث إلى swissinfo.ch "تختلف درجات هذا الوعي من كانتون إلى آخر، فبعض الكانتونات كفو ولوتسرن  يموّلان هذا الجهد بسخاء، وبعضها لا يعير إليه أي اهتمام".

إنها أكثر من عملية ترجمة

الإستعانة الواسعة بهذه الخدمة تؤكد الأهمية التي يحظى بها التواصل بين المهاجر ومجتمع الإقامة في عملية الاندماج، ومن هنا تأتي ضرورة العناية بمسالكها ولأن الأمر لا يتعلّق هنا بتبادل رسائل عامة أو بمجرد ترجمة من لغة إلى لغة أخرى، بل هي عملية كما يقول الغزواني: "تسمح للأجنبي بتوضّح الكيفية التي تسير بها الأمور في بيئته الجديدة، وهذا الأمر حيوي خاصة بالنسبة للمهاجرين الذين يكونون في وضع اجتماعي صعب كاللاجئين والمقيمين غير الشرعيين".

كذلك تسمح الترجمة الفورية الاجتماعية على المستوى الاجتماعي، على حد قول الغزواني: "بضمان التوازن والتعادل في العملية التواصلية التي يكون طرفاها من جهة مهاجر في حالة من الهشاشة، والضعف، والدونية، ومن جهة أخرى موظف حكومي في مستوى أسمى وأعلى تعضده ترسانة من القوانين والقواعد المتشددة". لكن هذا الدور الاجتماعي يتوقف على شرطيْن أساسيْن، من جهة ضرورة وعي المترجم نفسه بهذا الدور، ومن جهة أخرى، سماح الأطراف الأخرى له بالقيام به.

أما من الناحية النفسية، فيمثل وجود المترجم إلى جانب الأجنبي دعما وسندا نفسيا كبيرا، لأنه سوف يشعر كما تقول سونيا سوبا، مسؤولة بجمعية "انتماءات" بلوزان: "بالأمن فهو لن يكون وحيدا في مواجهة المؤسسة". لكن هذا الشعور بالأمن ينعدم بحسب  الغزواني: "عندما يكون المترجم غير معروف لدى الأجنبي، أو أن يكون من إحدى المجموعات المعادية كأن يكون المترجم صربيا أو كرواتيا، ويكون المستفيد بوستنيا مسلما"، رغم أن الاثنين يتكلمان لغة واحدة، لكن تفصل بينهما حزازات وحروب.

تتعدد الأغراض بتعدد المجالات

سُجّل هذا الإقبال على خدمات الترجمة الفورية في سويسرا خاصة في مجالات الصحة (58%)، والتعليم (26%)، ومرافق المساعدات الاجتماعية (16%)، وبلغ عدد ساعات العمل  في هذه القطاعات في عام 2009 ما يزيد عن 112.135 ساعة عمل، وغطت 100 لغة مختلفة. ويظل القطاع العام عموما أهم المستفيدين من هذه الخدمات.

ومن وحي تجربتها المهنية في هذا المجال تقول هويده السيرغني، مترجمة من أصول لبنانية مقيمة ببرن: "يوجد في هذه المدينة الكثير من العرب لا يتكلمون اللغة الألمانية، لذلك أرافق النساء عند ذهابهن إلى المستشفيات، والأولياء عند لقائهم بالمسؤولين في المدارس، وطالبي اللجوء خلال لقائهم مع موظفي العدل والشرطة".

ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فالمترجم في بعض الاحيان يلعب دور التوعية والتقريب بين الثقافات والتصوّرات، ومما تذكره السيدة السيرغني في هذا السياق التصوّر الخاطئ المنتشر لدى الرعايا العرب حول الاستعانة بالخبير النفسي، ووسم كل من يفعل ذلك بالجنون، وتضيف هذه المترجمة: "رافقت مؤخرا امرأة تعاني من مشاكل نفسية عند أخصائي في المجال، فشرحت مشكلتها بالعربية، ونقلتها إلى الطبيب بالألمانية، فوصف لها الطبيب دواءً، وشفيت من ذلك المرض".

كذلك تعتبر المدارس من المجالات المهمّة لعمل هذا الصنف من الوسطاء، وفي هذا السياق تذكر زهرة سلطان، مترجمة سويسرية من أصول مصرية مقيمة ببرن منذ ثلاثين سنة أن "بعض العائلات العربية المقيمة في سويسرا منذ عدة سنوات لا تعرف شيئا عن نظام التعليم في المدارس، او كيف تنظّم الواجبات المدرسية، أو الاختبارات، أو عملية التوجيه، ويوجد لديهم ميل إلى اتهام المدرّسين بالعنصرية لمجرد توجيه أبنائهم إلى شعب علمية لا تلبي آمالهم...عندئذ يكون دوري أقرب إلى المرشدة الاجتماعية منه إلى المترجمة الفورية".

وتعود هذه المشكلة في جزء كبير منها إلى تمسك نسبة مهمة من العرب المقيمين في سويسرا لسنوات طويلة بوهم العودة يوما ما إلى بلدانهم الأصلية ما يمنعهم من تعلّم لغات بلد الإقامة، فيعجزون بالتالي عن الانفتاح عن الواقع، أو المشاركة الفاعلة في محيطهم الاجتماعي.

المترجم وسيط اجتماعي

هذه المهمة الحيوية المتمثلة في مد جسور التواصل بين الوافد ومجتمع الإقامة، وفي خلق روابط إنسانية مثمرة بين المتخاطبين المنتمين إلى فضاءات ثقافية مختلفة تقتضي من صاحبها إتقانا عاليا للغتيْن على الأقل (المترجم منها، والمترجم إليها)، ومعرفة دقيقة بالنظام الاجتماعي السويسري عامة، وبالقواعد المنظمة للعمل في مجال اختصاصه كقطاع الصحة او التعليم،...فضلا عن إدراك دقيق لحدود دوره ومسؤوليته.

ويشرح ميكائيل موللّر هذا الدور فيقول متحدثا إلى swissinfo.ch: "المترجم مسؤول من ناحية على إنجاح العملية التواصلية، لكنه غير مسؤول على مضمونها، وهو مطالب بلعب دوره كاملا، لكن يحبّذ بقاءه في خلفية المشهد. وعليه ان يمتلك حسا عاليا، فيعرف متى يكون من المفيد تقديم معلومات إضافية، ومتى يكون من الأفضل التحفظ والصمت".

ولكي ينجح هذا المترجم في عمله لابد أن يكون على دراية تامة باحتياجات المجموعة التي يترجم إليها. ولهذا السبب يعتقد الدكتور الإخصائي النفسي عبد الحق الغزواني أن "الترجم الفوري الاجتماعي الناجح هو الذي يكون مترجما جيّدا، وفي نفس الوقت وسيطا إجتماعيا".

رغم تنويه الجميع بهذا الدور الحيوي للمترجمين الفوريين، تفتقد هذه الوظيفة إلى حد الآن إلى وضع قانوني واضح، وإلى نقابة تمثل العاملين فيه، وتتركه ميدانا مفتوحا للمتطفلين على هذه المهنة. ولا تساعد الحكومة في تنظيم هذا القطاع على اساس من المهنية والتأهيل، ويبدو هذا واضحا إذ يؤكد امين عام الجمعية السويسرية للمترجمين الفوريين  أن أغلب المترجمين الذين تستخدهم مرافق الدولة لا يحملون مؤهلات في المجال، ولكل مؤسسة قوائمها الخاصة.

عبد الحفيظ العبدلي- swissinfo.ch

السبت، 1 يناير 2011

مثقفون يختارون أهم الكتب المترجمة خلال عام 2010

جابر عصفور جابر عصفور
الجمعة، 31 ديسمبر 2010
كتب وجدى الكومى
مثلما شهد عام 2010 العديد من الإصدارات المصرية والعربية التى أثارت الكثير من الجدل حولها، وحطم بعضها الأرقام القياسية فى المبيعات، كانت لحركة الترجمة دورها، الذى تجسد فى عدد من الإصدارات المهمة التى ألقت بالكثير من الأحجار فى الماء الراكد، صدر بعضها عن دور النشر الخاصة، والآخر، عن دور النشر الحكومية مثل المركز القومى للترجمة، وسلسلة الجوائز، بالهيئة العامة للكتاب.

اختار الدكتور جابر عصفور رئيس المركز القومى للترجمة، كتاب "نصف العالم الأسيوى الجديد" الذى صدر عن المركز، ليكون فى رأيه أهم كتاب قام بترجمته، وقال عصفور لليوم السابع، إن أهمية الكتاب تتمثل فى تناوله تجربة النمور الأسيوية مثل سنغافورة، التى أبهرت رئيس وزراء الصين، والذى وصف تجربة نهضتها " بأنه لا يهم لون القطط"، وأشار عصفور إلى أن الصين استعانت بأحد الخبراء من سنغافورة، كمستشار اقتصادى لها، وهو ما يدل على فكرة تعلم دول الجوار من بعضها البعض.

ومن الكتب المهمة التى يعتز عصفور بترجمتها هذا العام، كتاب "رسوم الحج" الذى صدر قبل موسم الحج مباشرة، وتناول الرحلة المقدسة، وقام بتحرير الكتاب أفون نيل، وتصوير آن بارك، وترجمة وتعليق حسن عبد ربه المصرى، وضم مجموعة من الصور والنصوص المرتبطة برسوم الحج فى مصر.

واعتبر عصفور كتابى "علم النفس السياسى" و"الحركة الماركسية فى مصر بين ثورتين" من أكثر الكتب التى صدرت هذا العام عن المركز القومى للترجمة، وكانت مثيرة للجدل، بما تضمنته من موضوعات.

فيما انتقت الدكتورة سهير المصادفة رئيسة تحرير سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب، خمسة أعمال روائية صدرت حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهى رواية "حزن مدرسى" للروائى الفرنسى دانييل بناك، الحائز على جائزة روندو الفرنسية عام 2007، وتدور أحداثها حول طالب يعانى من ضعف تحصيله الدراسى، لكنه ينجح بعد ذلك فى إنجاز أعمال مبهرة فى حياته العملية.

"رفقة الذئاب" العمل الثانى التى اختارته "المصادفة" ضمن قائمة أفضل الأعمال التى قامت بترجمتها خلال العام، وهى للكاتبة الأسكتلندية ستيف بينى، التى جاءت روايتها منتقدة أوضاع الإنسانية وجشعها، وأشارت المصادفة أن "بينى" كتبت هذه الرواية عن كندا، رغم أنها لم تزرها أبدا.

ومن الأعمال الصادرة عن سلسلة الجوائز هذا العام أيضا رواية "مسيرة الفيل" للكاتب البرتغالى الراحل جوزيه سارماجو، والتى ترجمها أحمد عبد اللطيف، وتدور أحداثها حول تتبع هذا الفيل الذى أتى من البرية، إلى المدن، وتعتبرها المصادفة من أهم الأعمال التى قامت السلسلة بترجمتها لسارماجو، إضافة لأعماله الأخرى مثل "الكهف" و"ثورة الأرض" و"الآخر مثلى".

ورشحت "المصادفة" روايتى "كرسى النسر" لكارلوس فوينتس، و"كل رجل" لفيليب روس لتختتم بهما قائمة أحدث إصدارات السلسلة، مشيرة إلى أن كرسى النسر تدور أحداثها حول المؤامرات التى تحدث حول إحدى الرؤساء والزعماء، ويستخدمها فوينتس كقصيدة هجاء لكل المتصارعين على المناصب، أما "كل رجل" لروث، فتتناول أحداثها معاناة كل الرجال الذين يصلون للشيخوخة، ويبدأ يعانى فى ممارسة وظائفه الحياتية.

أما الدكتور بهاء عبد المجيد، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة عين شمس، ففضل أن ينتقد حال الترجمة فى مصر، على ضرب أمثلة بأهم ما قرأه خلال العام من كتب مترجمة، مشيرا إلى أن الترجمة لم تزل تعانى كثيرا فى مصر، من عدة جوانب، أكبرها الجودة، مؤكدا على أنه كمترجم، ومتخصص فى الأدب الإنجليزى كثيرا ما يحتاج للعودة إلى النص الأصلى بسبب رداءة ما يتم ترجمته.

وقال عبد المجيد، إنه قرأ خلال 2010 ترجمة الأعمال القصصية لتشيكوف التى أعادت دار الشروق إصدارها، مؤكدا على شعوره بالحنين لهذه الترجمات، وكذلك قرأ كتاب " eat,pray and love" للكاتبة إليزابيث جيلبرت، فى نصه الأصلى، والمترجم، مشيرا إلى أنه استمتع بقراءة هذا النص وكان يتمنى أن يقوم بترجمة بعض نصوصه.

وأشار عبد المجيد إلى مشروع شراكة "الشروق بنجوين" الذى انطلق خلال 2010، من أجل ترجمة الأعمال الكلاسيكية العالمية، مؤكدا على أنه لم يفهم الغرض من هذا المشروع، وكيف جاءت اختيارات الشروق للكتب، مؤكدا على أنه لا يعرف إن كانت الدار قد استعانت بالمتخصصين فى الأدب الإنجليزى خلال هذا المشروع، وأوضح عبد المجيد أن بنجوين تقوم بذلك عندما تقبل على مشروع ترجمة ضخم، حيث تستعين بأساتذة ومتخصصون، وليس مجرد مترجم، واحد فقط.

ولفت عبد المجيد النظر إلى أهمية مناقشة ما يتم طرحه من ترجمات فى مصر، من خلال كتابة المقالات النقدية، والمتابعات، ومناقشة الكتب التى يتم ترجمتها كذلك فى ندوات، مؤكدا على أن حراك الترجمة لا يأتى فقط بإصدار الكتب، التى يفسد بهجتها أحيانا غلاء أسعارها، مثل كتب القومى للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة. 

كل عام والترجمة العربية بخير


الكاتب / محمد عارف
الخميس 30 ديسمبر 2010
"أتشاءم من وقوع رأس السنة يوم الجمعة في الثالث عشر من الشهر"؟ سؤال قد لا يخدع معظم العرب لكنه ينطلي على فرنسيين يجيبون بالإيجاب، لأن الاعتقاد الشعبي السائد في فرنسا يعتبر الرقم "13" مشؤوماً، وقمة الشؤم في تقديرهم وقوع الثالث عشر من الشهر يوم الجمعة. هذه النكتة التي يرويها حسن حمزة، أستاذ اللسانيات في جامعة ليون بفرنسا تضعنا في قلب الإشكال الجوهري للترجمة، والذي اعترض حركة الترجمة العربية في مطلع عصرها الذهبي ببغداد في القرن التاسع الميلادي. واجه الإشكال "السيرافي النحوي" في مناظرته المشهورة مع "متي بن يونس المنطقي" حول النقل من لغة إلى لغة. "لغة من اللغات لا تطابق لغة أخرى من جميع جهاتها بحدود صفاتها، في أسمائها وأفعالها وحروفها وتأليفها وتقديمها وتأخيرها". ووقعت آنذاك النقلة التاريخية في الترجمة على طريقة "يوحنا البطريق" الذي كان ينظر إلى كل كلمة يونانية مفردة وما تدل عليه من معنى فيأتي بمفردة عربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبتها، وينتقل إلى الأخرى، حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه. وقامت بدلها طريقة "حُنين بن إسحاق"، الذي "يأتي بالجملة فيحصل معناها في ذهنه ويعبر عنها في اللغة الأخرى بجملة تطابقها، سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها".
وما يبدو في هاتين الطريقتين محض فروق تقنية يتضمن اختلافات فلسفية تعيد الآن طرح أسطورة "برج بابل" من جديد. أظهرت ذلك أحدث نتائج البحث في علوم الإنسان "الأنثروبولوجيا" واللسانيات التي تشكك في أهم نظرية في اللغة خلال القرن العشرين. عرضت نتائج البحث المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" التي ذكرت أنها تنقض نظرية عالم اللغة الأميركي ناعوم تشومسكي حول وجود وحدة فطرية خاصة باللغة في الدماغ البشري. فاللغات، حسب الأبحاث الجديدة هي التي تشكل الدماغ، وليس العكس. و"اللغات شاذة بشكل مدهش". فالإنجليزية تضع الفاعل قبل الفعل، والعربية تضع الفعل قبل الفاعل، والفنلندية تخلو تماماً من الظرف، ولغة سكان لاوس "اللاوية" تفتقر بالمرة إلى الصفات، وبعض اللغات تملك ستة أصوات متميزة لصنع الكلمات، وأخرى 144 صوتاً، ولغات الإشارات لا تملك أي أصوات بالمرة.
أسطورة "برج بابل" المذكورة في التوراة تعتقد بأن البشر الذين كانوا يتحدثون بلغة واحدة "تبلبل" لسانهم لغات مختلفة عندما أنشأوا برجاً يناطح السماء، وجمعوا فيه أقواماً مختلفة. و"بابل نقطة بداية لا نقطة نهاية"، حسب عالم اللغات الفرنسي لويس جان كالفي. "حين نتصور العدد اللامحدود للشفرات الجنينية التي تسم بدايات الإنسانية بميسمها، فلن يفاجئنا تعدد اللغات بل عددها النسبي المحدود". ويذكر كالفي في كتابه "حرب اللغات والسياسات اللغوية" أن هناك عنصرين يقفان في وجه هذا الميل إلى التعدد؛ فالواقع أن ولادة لغات يقابله موت لغات، والتعددية اللغوية التي يوجدها التوسع الجغرافي يزول أثرها بسبب تعدد وسائل الاتصال الحديثة. فالفضائيات على سبيل المثال لا تسمح بجعل إنجليزية أميركا وإنجليزية بريطانيا لغتين مختلفتين. والعرب شهود فضائيات تنشئ لغة عربية وسيطة يتفاهم بها عرب المشرق والمغرب.
ترجم كتاب "حرب اللغات والسياسات اللغوية" حسن حمزة، ونال به جائزة "ابن خلدون-سنغور" عام 2009. والكتاب واحد من عدة كتب صدرت عن "المنظمة العربية للترجمة" فازت بجوائز، بينها كتاب "في نظرية الترجمة: اتجاهات معاصرة" تأليف أدوين غنتسلر، وترجمة سعد عبد العزيز المصلوح، وقد نال جائزة الشيخ زايد للترجمة للعام نفسه. ومع جوائز الترجمة العربية "بات ضرورياً أن يكون لدينا نقدٌ ترجميٌّ مستقل، غير ملحق بالنقد الأدبي". يذكر ذلك علي نجيب إبراهيم، أستاذ المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، في باريس، ومترجم كتاب "الترجمة وتطور البنية الاجتماعية". فالكتب الجديدة تقارب ميادين أبحاث اللغة، وهي في أوج غليانها وذروة فورانها. كتاب "مفاتيح اصطلاحية جديدة"، يعرض خطة عالمية طموحة يساهم فيها باحثون عدة لإعادة تمحيص ما تغير من مصطلحات الثقافة والمجتمع.
والإنسان العاقل هو قبل كل شيء إنسان متكلم. هذه هي الخاتمة السعيدة لواحد من أجمل الكتب المترجمة، وعنوانه "أجمل قصة عن اللغة". وكلام الكتاب حوارات مع ثلاثة من أبرز الباحثين الفرنسيين حول المعجزة البايولوجية التي ولّدت اللغة. كيف تطور في أسلافنا جهاز نطقي قادر على التلفظ بأصوات تجعل دماغ شخص يتفتق عن تداعي أفكار معينة، أو توليد صور في ذهن مجهول، أو الإيحاء بأضغاث ماض غابر، وبأحلام مستقبل طي الغيب؟ والمحير في معجزة اللغة أنها لم تظهر بموجب قوانين الاصطفاء الطبيعي الداروينية التي تفسر ظهور الإنسان والكائنات الحية عموماً. وأبعد ما يذهب إليه الباحثون هو القول بوجود جينات مختلفة تشترك بشكل مباشر في عملية إنتاج اللغات وفهمها.
الموجة الجديدة في الترجمة العربية ولدت في موسم حصاد نصف قرن من محصول علوم اللغة والترجمة العالمية، ومؤلفو بعض الكتب المترجمة عرب معروفون على صعيد عالمي. كتاب "الكلام أو الموت" لمصطفى صفوان، وهو من أبرز المحللين الفرنسيين من أصل مصري، تخرج من جامعة الأسكندرية، وعندما أضيع أتبع نصيحته بالعودة إلى "مرجعيتنا الذاتية حيث تجد جوابك في أسئلتك ذاتها". ومؤلف كتاب "سوسيولوجيا الغزل العربي"، وهو المترجم نفسه الطاهر لبيب، أستاذ علم الاجتماع سابقاً بالجامعة التونسية، ومدير "المنظمة العربية للترجمة"، ورئيس تحرير مجلتها الفصلية "العربية والترجمة".
وكل عام والترجمة العربية بخير. وأتطلع في عام 2011 إلى الترجمة الجديدة لكتاب الشاعر الفرنسي أراغون "مجنون إلسا"، وهو واحد من 34 كتاباً قيد الترجمة. عندما قرأته أول مرة "حل المساء كبرتقالة" في حياتي، ومعه "انتهكت قفلاً فوجدت مزلاجه طوع بناني. عشية سقطت غرناطة، أقحمتني الكلمات درباً لم يكن في بالي". وغرناطتي بغداد "يا جسداً من بنفسج وياسمين يأتيني ريحها". الصبايا "أولئك اللائي يقرقرن من دكان إلى دكان. ضحكتهن الخفيفة كلعبة طفل. وصوت الحلي إذا تحركن. يدرن بعيونهن الكحلاء على الناس. نساء مصبوغة أصابعهن في ثياب حمراء. يرتدين الدم الذي يرتعش فينا". تلك كانت ترجمة الشاعر سامي الجندي، الموضوعة فوق منضدة النوم منذ قصفت بغداد عام 1998. وأتلهف إلى الترجمة الجديدة للشاعر أدونيس. "صعب أن نرى القفزة تمتد ولا تنتهي أبداً". فبغداد تسكن فيّ، مثل إلزا في أراغون، وليلى في قيس. "أموت كل لحظةٍ ممّا أحب، مع ذلك أعيش والله يعلم كيف".