الثلاثاء، 3 يوليو 2012

بعض الأسئلة عن اللغة العربية والترجمة

* د. فيصل دراج

هل هناك حوار بين اللغات، وما معنى الحوار بين الثقافات، وما علاقة هذين الطرفين بما يدعى: حوار الحضارات، وصولاً إلى التثاقف والمثاقفة والتبادل الثقافي؟ مهما يكن المعنى فإن الأسئلة جميعها تستدعي مقولتين أساسيتين هما: الأنا والآخر، فلا تبادل إلا بين طرفين يتبادلان موضوعين مختلفين، وفقاً لقواعد معينة. تتعيّن المقولة الأخرى بما يدعى: ميزان القوى بين الطرفين المتبادلين، أكان ذلك على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، أم على المستوى اللغوي.

يستلزم القول بالأنا والآخر الاعتراف المتبادل بينهما، فلا يستطيع مثقف عربي أن يحاور مثقفاً فرنسياً، إلا إذا ارتضى ثانيهما الحوار مع الأول واعترف به. غير أن هذا الاعتراف لا يعني شيئاً كثيراً، ذلك أن الحوار بين الطرفين، مهما كانت مقاصده وبواعثه وأهدافه، مشروط بميزان القوى بين الطرفين المتحاورين، الذي يتيح لطرف أن يتمدّد ويتوسع على حساب آخر. والحاضر في هذا المجال، أي في إطار التبادل بين اللغات هو: الرصيد اللغوي، حال الرصيد في البيع والشراء، إذ لا تستطيع لغة أن تترجم كلمات اللغة المقابلة، إلا إذا كان لديها ما يكفي من الكلمات الموائمة.

وواقع الأمر أن الحوار، الذي مادته اللغة، لا يقوم بين اللغات المختلفة، إنما يدور بين الثقافات المختلفة، التي أنتجها تاريخ اجتماعي خاص بها، وأملتها تحولات اجتماعية في ميادين الحاجات المتنوعة. فإذا كانت الكلمة إشارة إلى موضوع، خارجي قابل للاستعمال، أو ذهني مرتبط بتقدم المعارف والعلوم، فإن حياة الكلمات من حياة المواضيع التي تتعامل معها. بل أن ضرورة هذه الكلمات وثيقة الصلة ببيئة تحتاج إليها. فلم يولد مصطلح: فيزياء الكم، إلا بعد تجارب الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ، التي أفضت إلى اكتشافات جديدة في «الفيزياء الذرية»، ولم يظهر تعبير: السريالية، أي ما فوق الواقع، إلا بعد ظهور مدرسة فنية جديدة في الرسم، استفادت من المفاهيم التي جاء بها سيجموند فرويد، مؤسس مدرسة: علم التحليل النفسي. واستعمل المشتغلون من العرب بالفلسفة مصطلح: فلسفة الظواهر، بعد أن وفد إليهم من الغرب تيار فلسفي حديث أسسه الالماني: إدموند هوسرل.

تستدعي الإشارات السابقة مفهوم: تعددية المعارف المكتشفة التي تفرض مسافة لغوية بين المترجم والمترجم عنه، إذ للمكتشف الأصلي حرية في توليد الكلمات واختيار اشتقاقاتها، لأنه أدرى بدلالة الموضوع الذي وصل إليه عن طريق التجربة المتراكمة، بعيداً عن «المترجم»، الذي يفتقر إلى تجربة المكتشف الأصلي، والذي يلزمه وضعه، أو «محدودية معارفه»، بالبحث عن معنى مطابق، أو نسبي، ملبياً الرصيد اللغوي الذي يملكه، الذي يفي بالحاجات أحياناً ولا يفي بها في أحيان أخرى. فحين يصل الباحث العربي، في الفلسفة، إلى مفهوم: ابستيم، الذي قال به الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه «حفريات المعرفة»، فهو لا يعثر على مرادف له باللغة العربية، ويكتب المصطلح اللاتيني مكتوباً باللغة العربية.

لا ينفصل وضع اللغة، في علاقتها بغيرها، عن تطور المجتمع الذي ينطق بها، والذي يترجم تطوره بتعددية حاجاته، في المجالات جميعاً، أكان ذلك على مستوى المعيش اليومي، في أحوال العمل والفراغ، أو على مستوى العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية والآداب. وبهذا المعنى، فإن «الرصيد اللغوي»، أي كم الكلمات في اشتقاقاتها المتعددة المرتبطة بالحاجات، تعبير عن رصيد المجتمع، في أشكاله الاقتصادية والسياسية والثقافية. وما وضع اللغة الإنجليزية، في شكلها الأمريكي، إلا آية على هذا «الرصيد»، الذي جعل من الانجليزية لغة العولمة، ولغة من أجل العولمة. ومع أن رصيد اللغة الإنجليزية، في شكلها المعولم، يطرح موضوع: الهوية اللغوية، فإن في مفهوم الهوية لا يغير، في هذا المجال، شيئاً كثيراً، ما دام رصيد الهوية، أو الرصيد الهوياتي، من رصيد العناصر التي تسهم في بنائها. ولعل وعي العلاقة بين اللغة والقوة، هو الذي حمل العرب قديماً، على القول: «لغة الملوك ملوك اللغة»، أو «لغة السلاطين سلطان الكلام»، في إشارة إلى المراتب اللغوية، ذلك أن لغة الفرد من لغة منزلته.

يتكشّف التقدم الاجتماعي، في علاقته باللغة، بتعددية أجناس العلوم والآداب، إن صح القول، الذي ينفي وجود المعرفة، كما الآداب، بصيغة المفرد. فبعد أن ظهر علم التاريخ، في القرن الثامن عشر، أضيف إليه علم يوطّده هو: علم الاجتماع، إلى جانب صعود الفلسفات الحديثة، المتعددة النزوعات، في انتظار صعود علم النفس في نهاية القرن التاسع عشر، ... ولأنه لا وجود للعلم إلا في استقلال ذاتي ـ نسبي خاص به، فقد أوجد كل علم مصطلحات خاصة به، موسعاً الموروث اللغوي، أو مجبراً الموروث على «توسيع» أو «تبديل» ضفافه اللغوية. وكما جاء القرن الثامن عشر، في شكله الأوروبي، بعلم التاريخ، جاء معه بازدهار القصة القصيرة وصعود الرواية، استجابة لسوق الصحافة، الصاعدة بدورها، ومستولداً «الناقد الأدبي» الحديث، الذي فرضته الصحافة قبل أن تبنيه الجامعات.

في كل هذا كانت العلوم الجديدة استجابة لواقع اجتماعي لا يكفّ عن التحوّل، وكان التجدّد اللغوي استجابة لعلوم تحتاج إلى لغة جديدة. ولم يكن الوضع في العلوم الطبيعية مختلفاً، فالثورة العلمية لم تنفصل عن الجديد الاجتماعي ـ الاقتصادي، مثلما أن الثورة الصناعية محصلة للطرفين. ولم يكن صعود العلوم الحديثة، التي تتضمن فيزياء وكيمياء ورياضيات، إلا استجابة عملية للثورة الصناعية. فإذا كان شكل الفكر من شكل اللغة التي تترجمه، فإن فكراً مأخوذاً بالاختصاص، والاختصاص في الاختصاص، يستولد لغة على صورته، كما لو كان في الاختصاصات العملية ـ النظرية ما يجبر اللغة على نقد ذاتها، والرحيل من بيئة اجتماعية لها منظور محدد للعالم إلى بيئة أخرى توحّد بين تجديد اللغة والمنظور الجديد للعالم. كان إدوارد سعيد، في دراسة له في كتاب جماعي عنوانه: «ضد علم الجمال»، قد ألقى ضوءاً ثنائي البعد على العلاقة بين اللغة والاختصاص في حقل النقد الأدبي: أشار إلى العلاقة البديهية بين الاختصاص واللغة المرتبطة به، وحمل بغضب شديد على المختصين الذين يتبادلون في ما بينهم لغة مغلقة، معقدة، أقرب إلى لغة الكهنة في العصور الوسطى، مبتعدين عن «الإنسان العام»، وعن لغة «الإنسان في العام»، الذي تربط بين الكلمات والمواضيع. انجذب هؤلاء المختصون إلى صيغة: «ميزان القوى اللغوي»، الذي يضع إنساناً فوق آخر، ويطلب من «الأفقر لغة» إلى الانصياع إلى «المنتصر في حقل اللغة».

تشير ملاحظات إدوارد سعيد، في شكليها البديهي والنقدي، إلى العلاقة بين اللغة الطقوسية والبيئة الجامعية المغلقة، وهو ما رفضه رفضاً غاضباً، وإلى العلاقة بين «اللغات» والأجناس الأدبية، إذ لكل «فضاء كتابي»، إن صح القول، لغة تلبي منظوره ومواضيعه. كان المصري عادل كامل، صديق نجيب محفوظ، ومؤلف رواية «ملك من شعاع»، قد نشر في نهاية أربعينات القرن الماضي رواية عنوانها «مليم الأكبر»، صدّرها الأديب المصري، الذي اعتزل سريعاً الكتابة الروائية، ببيان أدبي عن اللغة العربية، رأى فيها منتوجاً «بدوياً» ضيقاً، يلبي حاجات «إنسان بسيط» ضيّق الحاجات مفترضاً، في النهاية، أن اللغة العربية تعوّق الكتابة الروائية. وهو رأي قالت به لاحقاً الجزائرية آسيا جبّار، وإن على الروائي، الذي يكتب بالعربية، أن ينفتح على «اللغات الحيّة»، وأن يطوّع العربية حتى يستطيع الكتابة بها.

بيد أن الأديب المصري نسي أمرين: أن العرب في نهاية الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945، بما فيهم أهل مصر، لا يتحدّثون بلغة البادية «القديمة»، وأن اللغة الروائية، التي تتعامل مع المواضيع اليومية، لغة هجينة، إن صح القول، تأخذ من لغة القواميس ومن اللغة العامية وشيء قريب من لغة الصحافة وتتوجّه، في الحالات جميعاً، إلى قارئ عادي يحسن الربط بين المفردات والمواضيع. مع ذلك فإن ملاحظات كامل، التي تفتقر إلى الإنصاف، لم تأتِ من فراغ، ذلك أن مشروعيتها، ولو بقدر، تأتي من اتجاهين على الأقل: قصور «المجامع اللغوية العربية» التي لم تنجح في الربط بين تجديد اللغة وتجدّد الظواهر الاجتماعية، كما لو كانت اللغة العربية جوهراً مكتفياً بذاته، جديده قديمه وقديمه جديده، كما لو كانت «وجوداً كاملاً» لا يحتاج إلى حذف أو إضافة. أما الاتجاه الثاني فيتأتى عن المناهج المدرسية الرسمية التي تفصل في أشياء كثيرة، بين لغة الحياة ولغة الكتب. ولذلك يترك التلميذ، حين يصل إلى الحياة اليومية، لغته المدرسية وراءه ويتحدث مباشرة باللغة العامية، تعبيراً عن انقسام لغوي، إذ لغة المدرسة تغاير لغة الشارع، إن لم يعبر عن انقسام في الفكر، ما دام فكر الإنسان من لغته، كما تقول بعض الاتجاهات في علم الاجتماعي ـ اللغوي.

بعد مرور أربعين عاماً، تقريباً، على حديث عادل كامل نقد الفيلسوف المغربي عبد الله العروي وضع اللغة العربية، في كتابه «العرب والتاريخ»، من وجهة نظر أخرى، قوامها «تشتّت اللغة العربية». فكما لاحظ، وكما يلاحظ بشكل عام، فإن لكبار المختصين «التقنيين» لغة خاصة بهم، تخالطها الأجنبية، غالباً، إن لم تكتفِ بها أحياناً مثلما أن لكتاب الدواوين وغيرهم من الموظفين.. لغة عربية «أخرى». وقد يكون لمراجعي الدواوين الرسمية «لغة ثالثة»، لا هي بلغة الاختصاص العالي، ولا هي باللغة الساكنة التي استقرت عليها بعض دوائر «الحكومات العربية». والسؤال السريع: هل اللغة العربية منعزلة عن الحياة أم أن في حياة المجتمعات العربية ما يمنع عنها الوحدة والتجانس، وهل هي منعزلة عن «حياة المعارف والنظريات الحديثة»؟ يحيل السؤالان على أشكال السلطة السياسية، ويستبقيان لسؤال الترجمة، كما لحوار الثقافات، موضوعاً محدداً هو: الاختبار.

تعيش اللغة العربية حياتها اعتماداً على سيرورتها الخاصة وتعيش، بشكل لا متكافئ، حياة المعارف في العالم: فهي تعيش حياتها الموزعة في اللغات العامية والفصحى و»اللغة المتوسطة»، بلغة الراحل عبد الرحمن منيف، وهي تعيش حياة المعارف الكونية، اتكاء على الترجمة وعلى جهود أصحاب «الفضول المعرفي»، الذين يفتحون نوافذ على ثقافة القارات المختلفة. ومع أن هذه الحياة، التي يلعب فيها الشعر والرواية والصحافة والترجمة، بعيدة عن الركود والطقوس البلاغية الشكلانية، فإن هذه الحياة نفسها تفتقد إلى قوة منظمة مركزية، ذلك أن إصلاح اللغة شأن من شؤون السلطة، كما أشار عبد الله العروي. فلم تنجز «أوربا الحديثة» إصلاحها اللغوي، الذي ينقلها من لغة العصور الوسطى إلى لغات حديثة، إلا عن طريق الأجهزة المدرسية، التي أشرفت عليها سلطات توحّد بين اللغة والأمة، أو: «تنشئ الأمة»، متوسلة لغة قومية يفصح عنها «الأدب القومي»، الذي يعطي الماضي البعيد، وهو متخيّل غالباً ، صياغة قومية موحّدة.

وواقع الأمر أن القوميات الحديثة الأدبية استغنت عن «اللغة ـ الأصل»، بعد أن أقصت الماضي بعيداً، واعتبرت «الحاضرالنهضوي» أصلاً لذاته، حتى لو استعاد «المعجزة اليونانية» أكثر من مرة. يبدو الحاضر، والحال هذه، زمناً مستقلاً بذاته، كما تبدو اللغة معطى تاريخياً مرتبطاً بالحاضر، وله قواعد لا تقل استقلالاً. كان الناقد السوري الحمصي الأصل قسطاكي الحمصي، في كتابه «منهل الوُرّاد» ـ عام 1907 قد طالب بالفصل بين اللغة في ذاتها، التي تتمتع باستعمالات متعددة، واللغة الدينية التي لها حيّز خاص به. جاء طه حسين، بعد زمن بفصل باتر بين الدنيوي والديني، في علاقتيهما باللغة حين قال: «القرآن هو القرآن، لا هو بالشعر ولا هو بالنثر»، أي أنه كلام مقدس يغاير كلياً لغة الكلام اليومي، وهو ما يعنيه نصاً متعالياً عصياً على الترجمة، إلا بقدر.

ينطوي فعل الترجمة، من حيث هو بعد من أبعاد اللغة، على دلالات متعددة، تمس وعي اللغة بذاتها وبغيرها من اللغات، اتكاء على مفهوم: المقارنة. فمثلما أنه لا وجود لنص أدبي إلا مقارنة بنص آخر، فإن إمكانيات لغة محددة، سلباً أم إيجاباً، لا تتكشف إلا بلقائها مع لغة، أو بلغات أخرى. ذلك أن اللغة، في فعل الترجمة، تختبر إمكانياتها في استيعاب إمكانيات لغات مغايرة. يتحقق هذا «الاستيعاب»إن صح القول، جزئياً، أو بشكل نسبي. ولهذا تحظى بعض الكلمات «الأدبية» على أكثر من ترجمة، مثل مفردة Ali nation، التي عرّبت بكلمات متعددة: الاغتراب، الاستلاب، الضياع، «الألينة»، ... وهو ما دفع إلى ترجمة كتاب دانتي «الكوميديا الإلهية» أكثر من مرة، أو أشعار شكسبير التي ترجمها خليل مطران وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهما. لذا تبدو الترجمة كشفاً واكتشافاً ووشاية،/ خاصة حينما تواجه اللغة نصاً صعباً، مثل «فينومنيولوجيا الروح» لهيجل، أو حينما تقف اللغة العربية أمام مصطلحات علم النفس، هذا العلم الذي ولد ونشأ وتطور في بيئة ثقافية، بعيدة البعد كله، عن البيئة الثقافية العربية.

تبيّن ترجمة نص أجنبي إلى اللغة العربية، حال الإلياذة لهوميروس التي ترجمها سليمان البستاني، بعد أن عاد إلى لغات عدة، أن سؤال الترجمة هو سؤال المترجم، قبل أن يكون مساءلة لإمكانيات اللغة العربية، وأن المترجم الأخلاقي يجتهد في تملّك اللغتين اللتين يتعامل معهما، اللغة العربية واللغة المترجم عنها.

يقود السؤال مباشرة إلى أخلاقية الترجمة، كأن لا يترجم المترجم النص إلا عن لغته الأصلية، وأن يتخذ لنفسه منهجاً، يرى في الترجمة فعلاً إبداعياً، وأن يظهر في الترجمة الرسالة التي تسعى إلى القيام بها.

وأخيراً فإن الترجمة ليست حواراً بين اللغات، وإنما هي لقاء بين البشر والثقافات يقصد إلى تبادل المعرفة والوقوف على تجارب ثقافية إنسانية. لذا فإن هدف الترجمة ليس نقل الكلمات، بل نقل القصد الذي تحمله الكلمات، كما لو كان «المعنى ليس في النص، بل هو يُبنى من خلال ترجمة النص». يفضي الأمر، بداهة، إلى موضوع التأويل، ذلك أن للكلمات، كما يوردها القاموس، معانٍ متعددة، تتغيّر وفقاً لمكانها في الكتابة ، آخذة المعنى الذي يقترحه تأويل النص. ولذلك لا تنطلق النظرية التأويلية، التي لها جذور عميقة في الفكر العربي ـ الإسلامي، من المعجم، وإنما من الاستعمال الحقيقي للكلمات في عملية التواصل. فالمعجم لا يسجل ما هو فردي في التعامل مع الكلمات، فهو يسجل ما تواضعت عليه الجماعة، فصار عاماً مشتركاً بين أبنائها. ولعل الاكتفاء بالعام والمشترك بين الناس قد يكون فقير المعنى إزاء حالات شعرية، مثل شعر الألماني ريلكه على سبيل المثال، أو إزاء بعض الكلمات الفلسفية، التي يختلف استعمالها من فيلسوف إلى آخر.

إن انفتاح اللغة العربية على اللغات الإنسانية، في مجالات إبداعها المتنوعة يؤدي، بنسب مختلفة، إلى تقدمها الذي لن يكون واضحاً إلا إذا كان وجهاً من وجوه تقدم اجتماعي عام. والعلاقة بين تقدم اللغة والمجتمع ترجع، في التاريخ العربي ـ الإسلامي، إلى بدايات الحقبة العباسية، حيث ترجم العرب عن اليونان، قبل أن يقوم الغرب لاحقاً بترجمة ما ترجمه العرب عن اليونان. وكذلك حال النهضة العربية، في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي جعلت من الترجمة محوراً من محاورها الأساسية، منذ أيام محمد علي إلى فترة جمال عبد الناصر.

من أين تأتي حياة اللغة؟ من لغة لها علاقة بوجوه الحياة، ومن علاقاتها بلغات تسائل الوجود في وجوهه المختلفة، وتبحث مجتهدة عن إجابات لا تكفّ عن التحوّل.
التاريخ : 29-06-2012

s