الخميس، 5 أغسطس 2010

أهمية الترجمة في اللحاق بالتقدم العلمي


الدكتور/ سعد بن هادي القحطاني
لا أحد ينكر ما للترجمة من أهمية قصوى في نقل التراث الفكري بين الامم، ومالها من اثر في نمو المعرفة الانسانية عبر التاريخ. والترجمة عملية ذهنية وفكرية ولغوية معقدة تتطلب ابداعا مضاعفا ممن يقوم بها. فالمترجم لابد اولا ان يستوعب النص الذي كتب بلغة اخرى استيعابا يتعدى الشكل والاسلوب الى المضامين والافكار، وهذا امر يتطلب مهارة لغوية وفكرية نافذة، وبالتالي فانه بلا شك ينطوي على ابداع. والمترجم ثانيا لابد ان ينقل النص الى لغة اخرى تختلف في التركيب النحوي، ومجال الدلالات والمعاني، نقلا يضمن فهم النص بكل دلالاته ومعانيه، ويشمل كذلك اطاره الثقافي والتاريخي، وهذا عمل ينطوي على ابداع ايضا. ولذلك لا غرو ان نجد ان المشتغلين بالترجمة المبرزين فيها قلة من المختصين. ولاشك ان الترجمة في العصور الحاضرة مع ازدياد وتيرة التقدم العلمي، وتسارع الاكتشافات والاختراعات اصبحت ضرورة ملحة تحشد الدول النامية من اجلها كل الطاقات، وتوظف في سبيلها كل الامكانات وذلك بهدف اللحاق بالركب العلمي مع الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية، فالترجمة تكفل نقل العلوم والاستفادة منها مع المحافظة على اللغة القومية وتنميتها وعدم استبدالها بلغة وافدة تقضي على الهوية، وتمكن الثقافة الوافدة من اضعاف مضامين الوحدة السياسية.
وادراكا لهذا الدور الرئيس للترجمة فان اليابان تقوم بترجمة مئات الكتب يوميا من اللغات الاخرى الى اللغة اليابانية مما ساهم في ازدهار الصناعة مع الحفاظ على اللغة اليابانية والهوية اليابانية في وقت واحد. واذا كانت اليابان وهي دولة واحدة تؤمن بالترجمة كخيار استراتيجي للمحافظة على وحدة تراثها اللغوي في المقام الاول ان تولى الترجمة أضعاف اضعاف ما توليها اليابان، اي انه من المفترض ان تترجم آلاف الكتب الى العربية يوميا في كل الاقطار العربية.
ان اهمية اللغة العربية للعرب والمسلمين لا يمكن مقارنتها باي لغة اخرى اذ انها الى جانب كونها اهم مقومات الوحدة العربية، فهي ايضا وعاء الدين الاسلامي، بل ومكمن الاعجاز فيه، وبعد هذا يتساءل المرء ماهي الاستراتيجية التي تتبعها الدول العربية في مجال الترجمة؟ هل يوجد استراتيجية عربية موحدة في هذا الشأن؟ وهل يوجد استراتيجية للترجمة على مستوى كل قطر عربي؟
ان المتتبع لحركة الترجمة في البلاد العربية يلحظ مع الاسف انها «اي الترجمة» لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، بل ويلحظ كذلك التراجع الكبير في مستوى الاعمال المترجمة في الوطن العربي، علما ان الترجمة كانت من اهم الأسس التي قامت عليها الحضارة الاسلامية. فعندما قامت الحضارة الاسلامية ترجم العرب عن اللغات اليونانية، والسريانية، والهندية، والفارسية في مجالات متنوعة وخصوصا العملية، وهو بلا شك ما ساهم في قيام نهضة عملية واسعة نتج عنها العديد من الاختراعات والاكتشافات التي لازالت تدرس حتى يومنا هذا. اذا كنا ندرك ان اعداد الكتب التي تؤلف في المجالات العملية في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال لا يتجاوز 10% من النتاج الفكري في المملكة حيث تحظى المجالات الانسانية بنسبة 90%، وماذاك ومن وجهة نظري الا لقلة المادة المترجمة من تلك العلوم، اذ كيف تنشأ قاعدة تأليف واسعة على ادبيات مكتوبة بلغة اخرى. وما يتم نشره من ابحاث للكتاب السعوديين في المجال العلمي يكون غالبا باللغة الانجليزية وفي دوريات اجنبية مما يحد من الاستفادة من هذه الابحاث لعامة الناس في المملكة حيث لا يستطيع الافادة منها الا اولئك الذين يجيدون اللغة الانجليزية. وللاسف لم تتجاوز نسبة الاعمال المترجمة في المملكة العربية السعودية خلال خمسين عاماً 93.8% اي ما مجموعه 502 كتابا، وذلك في دراسة ببلومترية للباحثة/ نورة الناصر 1998م.وما لم تنشأ حركة ترجمة واسعة في المملكة وفي العالم العربي بشكل عام، فان اللحاق بالركب العلمي العالمي سيبقى محصورا في نطاق التلقي فقط، ولن يكون هناك بيئة محلية مناسبة للتقدم العلمي المبني على الابداع والاختراع بالتلقي فقط.

المصدر
* معهد الادارة العامة الرياض

ليست هناك تعليقات: