الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

عالم الترجمة الشفهية

بقلم: هاشم كاطع لازم
ترجمة: هاشم كاطع لازم / استاذ مساعد hashim_lazim@yahoo.com
 

لابد أولا من بيان مايميز الترجمة الشفهية interpreting عن الترجمة التحريرية translation ليتسنى لنا تسليط الضوء على مهام المترجم الفوري.
يبدو الأختلاف بين نمطي الترجمة المذكورين ، في ظاهره ، في الوسيلة التي يتم استخدامها: فالمترجم الفوري يترجم شفاها فيما يقوم المترجم التحريري بالتعامل مع النص المكتوب. وتفترض كل من الترجمة الشفهية والترجمة التحريرية سلفا حب اللغتين أو اللغات التي تتم الترجمة فيما بينها فضلا عن المعرفة الواسعة باكثر من لغة.
غير أن الأختلافات تتضح كثيرا حين يتعلق الأمر بالتدريب والمهارات والمواهب التي يحتاجها كل نمط من الترجمة ، فالمهارة الأساسية التي يحتاجها المترجم التحريري تتمثل بمقدرته المتميزة على الكتابة وكذلك التعبير عن نفسه بوصوح في اللغة الهدف target language . وهذا هو السبب الذي يدفع المترجمين المحترفين ، في الأعم الأغلب ، للترجمة من اللغة الأجنبية الى اللغة الأم. ومن النادر أن يتمكن المترجمون ثنائيو اللغة من التعبير عن أنفسهم في موضوع ما على قدر المساواة بكلتا اللغتين. والكثير من المترجمين المقتدرين لايجيدون كلتا اللغتين بشكل متكافيء فهم لايحتاجون الى التحدث بطلاقة بغير لغتهم الأم. والمهارات الأساسية التي يحتاجها المترجم تتجسد في قدرته على فهم اللغة المصدر source language وثقافة البلد الذي كتب النص الأصلي بلغته فضلا عن أستخدام أنواع مختلفة من القواميس والكتب والمراجع التي يمكن أن تدعو الحاجة اليها ومن ثم العمل على نقل تلك المادة الى اللغة الهدف.
أما المترجم الفوري فلابد أن يتوفر على المقدرة على الترجمة بكلا الأتجاهين دون الأستعانة باية قواميس وأن تتم الترجمة بشكل متزامن.

أنواع الترجمة الشفهية

هناك نوعان من الترجمة الشفهية هما: الترجمة التعاقبية أو التتابعية consecutive interpreting والترجمة الفورية simultaneous interpreting. في الترجمة الفورية ، في أطارها الشائع ، يجلس المترجم في حجيرة صغيرة واضعا سماعتين رأسيتين على أذنيه ويتحدث عبر مكبر للصوت. وتعبير (فوري) ليس صحيحا تماما فالمترجم الفوري لايتمكن من الشروع بترجمته الفورية ألا بعد فهم المعنى العام للجملة ، فهو حين يترجم الى اللغة الأنكليزية ربما لايتمكن من نطق كلمة واحدة لحين أنتهاء الجملة بأكملها في اللغة المصدر خاصة أذا كانت هناك فاصلة طويلة ، الى حد ما ، بين فاعل الجملة وفعلها الرئيسي. أن هذا المثل البسيط يعطينا صورة واضحة عن مدى صعوبة وتعقيد الترجمة الفورية حيث يتعين على المترجم الفوري أن يقوم بترجمة الجملة الى اللغة الهدف فيما يصيخ بسمعه ، في الوقت ذاته ، الى الجملة الأخرى ويحاول أستيعابها. وبمقدور أي شخص أن يتحقق من صعوبة مثل هذه المهمة وأن كان أحادي اللغة: حاول مثلا أعادة صياغة الكلام الصادر عن شخص ما مع حصول تأخير لنصف جملة ، وفي الوقت عينه محاولة فهم الجملة اللاحقة أثناء عملية أعادة صياغة الجملة السابقة!
ويعتبر الحزم في أتخاذ القرار decisiveness من المهارات الأساسية التي لابد أن يتحلى بها المترجم الفوري حيث لايوجد هناك وقت متاح لأختيار جملة أفضل من بين أكثر من ترجمة متيسرة أو في أستخدام المصطلح المناسب تماما في اللغة الهدف لأن أي تأخير يعني فقدان عدد من المفردات (وربما فكرة ما) صدرت عن المتحدث. ولأن المتحدث ربما يكون بعيدا عن المترجم الفوري أو حتى في غرفة أخرى فأن خسارة المفردات أمر واقع لامحالة.
ويحدث في الترجمة التعاقبية أن يتوقف المتحدث كل دقيقة – خمس دقائق (في العادة عند نهاية كل مقطع paragraph أو فكرة كاملة)لياخذ المترجم دوره في ترجمة ماقاله المتحدث الى اللغة الهدف. وتعتبر عملية تدوين الملاحظات السريعة واحدة من أهم المهارات الرئيسية المتصلة بالترجمة التعاقبية لأن قلة قليلة من المترجمين الفوريين تتمتع بالقدرة المتميزة على حفظ مقطع كامل في المرة الواحدة دون ضياع التفاصيل. غير أن مايدونه المترجم الفوري يختلف تماما عن ما يفعله كاتب الأختزال لأن تدوين المفردات باللغة المصدر يجعل مهمة المترجم الفوري أكثر صعوبة حين يترجم الكلام شفهيا الى اللغة الهدف. وبسبب ذلك يقوم عدد كبير من المترجمين بتطوير مدوناتهم الرمزية الخاصة بتدوين (افكار) الشخص المتحدث وليس كلماته فحسب. وبذا يتصف مايدونه المترجم الفوري بكونه يتخذ مسارا أصطلاحيا فيما يقل ألتزامه بحرفية اللغة المصدر.
ورغم أتساع هوة التباين في المهارات بين المترجمين التحريريين والمترجمين الشفهيين ألإان هناك صفة واحدة مشتركة بينهما تضاف الى المعرفة الواسعة بكلتا اللغتين: فعلى الأثنين أن يكونا ملمين بطبيعة الموضوع الذي يتناوله النص المكتوب أو الشخص المتحدث ، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي أدى الى فشل مشاريع الترجمة الآلية التي ذاع صيتها منذ خمسينيات القرن الماضي.
نود التأكيد هنا أن الترجمة لاتقتصر على أستبدال مفردات لغة ما بمفردات لغة أخرى فحسب ، فهي تعني فهم الأفكار التي تعبر عنها لغة ما ومن ثم العمل على تفسيرها وأيضاحها بالأستعانة بموارد لغة أخرى. بعبارة أخرى لابد أن يرمي المترجم الفوري الى تغيير المفردات الى معنى ومن ثم تغيير المعنى ثانية الى مفردات مختلفة. من هنا تعتبر الترجمة الشفهية بمثابة أعادة صياغة للنص وتفسير له paraphrasing بشكل أساسي. ومثلما لايتمكن الواحد منا من تفسير فكرة ما مالم يستوعب تلك الفكرة تماما فليس بمقدورنا ايضا أن نترجم نصا أو حديثا ، بشكل مكتوب أو منطوق ، دون معرفة وافية بالموضوع المطروح. عليه يصبح لزاما على المترجم الفوري أن يكون ملما الماما كافيا بموضوع مؤتمر ما أو ورشة عمل معينة يكلف بالترجمة فيهما ، وهو أمر يوازي في أهميته مايتمتع به المترجم من خبرة ودربة.

مؤهلات المترجم الفوري المقتدر

• معرفة وافية بالموضوع العام الذي تتناوله الخطابات أو المحاضرات التي تتم ترجمتها.
• ألمام كبير بثقافتي اللغتين اللتين يتم التعاطي معهما.
• المام بحصيلة كبيرة من مفردات اللغتين.
• المقدرة على التعبير عن أفكاره بجلاء ودقة بكلتا اللغتين.
• التمكن من تدوين الملاحظات بحرفية عالية اثناء الترجمة التعاقبية.
• خبرة في الترجمة الشفهية التعاقبية لاتقل عن سنتين – ثلاث سنوات.

المصدر

المصدر الثاني

ليست هناك تعليقات: