وردت كلمة علم في القرآن الكريم مرات كثيرة، كقوله تعالى "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" النساء: 162، وقوله "يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني" مريم: 43، ومعلوم بداهة أن العلم في الآيتين مقصود به علم الدين، وليس علوم الكون كالأحياء والهندسة والإحصاء والاقتصاد ونحوها. وعلى هذا المعنى جاءت التسمية "كبار العلماء" أي كبار علماء الدين.
أما في اللغة العربية، فقد جاء في المعجم الوسيط "العلم إدراك الشيء بحقيقته، والعلم اليقين، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يحب، والعلم المعرفة. وقيل العلم يقال لإدراك الكلي والمركب، والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط.
ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية يجمع تجمعها جهة واحدة، كعلم النحو وعلم الأرض والجمع علوم. وعلوم العربية العلوم المتعلقة باللغة العربية كالنحو والصرف والمعاني.
وانتشرت في عصرنا هذا عبارات من قبيل القسم العلمي والكليات العلمية. والعلمي في هذه العبارات وأمثالها ترجمة للكلمة scientific، وهي الصفة من الاسم ساينس science، كما هو معروف في اللغة الإنجليزية، وجاء في قاموس أكسفورد المشهورOxford Advanced Learner's Dictionary، الطبعة السابعة (2005) ما يلي عن معنى ساينس:
1 - معرفة حول تركيب وسلوك العالم الطبيعي والمادي، بناء على حقائق يمكن إثباتها، مثلا بالتجارب.
1-knowledge about the structure and behaviour of the natural and physical world, based on facts that you can prove, for example by experiments.
2 - نظام لترتيب المعرفة حول موضوع بعينه.
2 - a system for organizing the knowledge about a particular subject
ويقصد بها العلوم التي تتناول العالم الطبيعي والمادي، والعلوم الاجتماعية.
وجلب اختيار علم ترجمة كلمة science إشكالات، مثلها في ذلك ترجمات كثيرة. فمن الإشكالات أن الفقه، ليس بعلم، لأنه ليس ساينس، خاصة حسب المعنى الأول. وتبعا لذلك، الفقهاء ليسوا علماء، وهذه نتيجة الترجمة المشوهة. وعندما أدخلت مادة science الساينس في مراحل التعليم العام، كان من الصعب تسمية المقرر علما، ووقع الاختيار على كلمة علوم، وهي جمع علم. وهو الاختيار نفسه لتسمية الكلية التي تدرس علوما كالفيزياء والكيمياء أي كلية العلوم sciences.
وكما ذكرت في القسم الثاني، تنتهي بعض الكلمات في اللغة الإنجليزية باللفظة اللاحقة ics لتعني علم أو دراسة أو معرفة كذا. ومن هذه الكلمات economics التي ترجمت إلى علم أو دراسة الاقتصاد. ومن الأمثلة الأخرى، physics وتعني علم أو دراسة الطبيعة وstatistics وتعني علما أو دراسة الإحصاءات، وmathematics التي تعني علما أو دراسة الأرقام والأشكال ونحو ذلك. ويفهم من اللفظة اللاحقة ics أن تلك العلوم قائمة على المنهج الساينسي.
والعلوم الطبيعية أو التجريبية أدق من العلوم الاجتماعية والإنسانية، وأكثر العلوم الطبيعية دقة هو علم الفيزياء، لكن حتى هذا العلم تقع فيه الأخطاء، فالفيزيائيون بشر يخطئون، بل قد يجمعون على الخطأ لفترة من الزمان.
المنهج العلمي (الساينسي)
ويكثر في الوسط الأكاديمي والبحثي استخدام عبارة المنهج العلمي ترجمة للتعبير الإنجليزي scientific method، ويقوم هذا المنهج على أربع قواعد أو افتراضات:
العلية أو التعليل: لا يمكن للأشياء أن تحدث أو تتغير من دون أسباب. وهذا يعني العلية في تفسير الحوادث. ومن هذا فسر نيوتن سقوط التفاحة من الشجرة بوجود الجاذبية سببا للسقوط.
الحتمية: لا يمكن حدوث شيء آخر، إذا حدث شيء وبقيت الأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك الحدث قائمة كما هي من دون تغيير. وعلى ذلك فإن تكرار التجربة دون أي تغيير لا بد أن يعطي النتائج نفسها.
الانتظام: الكون منظم ويجري وفق قوانين، والأحداث تجري بطريقة منتظمة systematic، ولولا ذلك لما أمكن الوصول إلى قوانين في العلوم كعلم الفيزياء والكيمياء والحيوان ووظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) Physiology والتشريح والمرض Pathology والفلك وغيرها.
القدرة: قدرة الإنسان على اكتشاف قوانين الطبيعة.
وهناك ثلاثة مطالب أساسية عند عمل بحث علمي أي ساينسي: أن تكون الواقعة المدروسة قابلة للتجريب أو أمبريقية، أي يمكن التعرف عليها بالحواس، وثانيا أن تتاح الملاحظة لكل من يرغب في الاطلاع، وثالثا يمكن الحصول على النتائج نفسها عند إعادة البحث نفسه، سعيد التل (2006). ومن ثم فإن التفكير العلمي (الساينسي) يتأسس على الإثبات التطبيقي (أي الإثبات القائم على الاختبارات لإثبات الصحة)، والتعليل المنطقي.
وجنحت العلوم الاجتماعية إلى تطبيق المنهج العلمي أي الساينسي scientific method في بحوثها. أما علوم الدين فطبيعة المنهج الساينسي لا تصلح للتطبيق عليها، وتبعا لذلك، ليس من شأن الساينس والمنهج الساينسي إثبات، مثلا، تأثير الدعاء أو صلة الرحم في العمر أو الرزق. ومن ثم لا تدخل علوم الدين في مسمى ساينس لدى عامة الجهات الأكاديمية والبحثية في العالم.
المصدر
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق