تاريخ النشر: الخميس 09 سبتمبر 2010
محمد نجيمأصدر المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء، (2010)، الترجمة العربية لكتاب الروائي والكاتب الإيطالي الشهير إمبرتو إيكو: “دروس في الأخلاق”، وقام بترجمة هذا الكتاب الناقد المغربي سعيد بنكراد انطلاقا من الترجمة الفرنسية التي صدرت عن دار النشر الفرنسية العريقة “غراسيه” في طبعة صدرت عام 2000. ويقع الكتاب في 152 صفحة من الحجم المتوسط، دون الإشارة إلى صاحب لوحة الغلاف. يضم الكتاب خمس مقالات لصاحب “بندول فوكو”، و”اسم الوردة”، وهي تحمل العناوين: “التفكير في الحرب”، “الفاشية الأبدية”، “حول الصحافة”، “الأنا والآخر”، “التروح وغير المسموح”.
وقد كتب إيكو هذه المقالات الخمس على فترات متباعدة، تتناول سلسلة من القضايا الخاصة بالوجود الإنساني، منها الأخلاق والعلمانية والتدين والثقافة والمثقف والعلاقة مع الآخر وغيرها من الموضوعات ذات الطابع القيمي العام. ويقول الدكتور سعيد بنكراد في مقدمة هذا الكتاب “وليس في نيتنا تقديم ملخص لهذه المقالات أو بسط القول فيها، فهذا أمر لا ترجى منه فائدة، فالنص يُغني عن التلخيص، والتلقي المباشر أهم من وساطة مترجم لا يمكن تبرئة ذمته، فهو ينقل ما يشتهيه، لا ما يبحث عنه القارئ بالضرورة. ومع ذلك، فإن ما يقوله العنوان وحده كاف لأن يثير الكثير من التساؤلات حول مقولة الأخلاق، فهي تكاد تكون الثيمة الرئيسية للكتاب كله.”فسوء الفهم” و”الجهل” بخصوصيات الآخر و”الدونية الحضارية” و”التفوق العرقي” مواقف تندرج كلها ضمن ما يمكن أن يشكل أخلاقاً تُعتمد في الحكم على الآخر وتصنيفه. فالـ”نحن” غامضة دائماً، لأنها تعتمد معاييرها للحكم على الآخر وتحديد المقبول والمرفوض والمحبذ والمكروه عنده. وباسم هذه الرؤية تمت في كثير من مراحل التاريخ مقاضاة الآخرين والحكم على سلوكهم، بل وإعلان الحرب عليهم. فالـ “نحن” التي قادت الحرب في أفغانستان والعراق وغيرها من مناطق العالم ليست آتية من خارج التاريخ، إنها ثمرة من ثماره، وجزء من سيرورة حضارية تشكلت باعتبار هويتها تلك في علاقتها بالآخرين لا في انفصال عنهم. ولذلك، لا يمكنها أن تتحدد باعتبار ذاتها، أي باعتبار المخزون الأخلاقي عندها، بل يجب أن تقيس أخلاقها بأخلاق الآخر (إن العزلة لا تقود إلا إلى الفاشية).
وهو ما يعني استحالة تحديد الدوائر الأخلاقية لـ”الأنا” دون الإشارة إلى تلك التي تخص “الآخر”. فهذه الدائرة ممكنة الوجود في حدود وجود أخلاق أخرى، لا تناقضها بالضرورة، ولكنها قد تجعل منها أمراً ممكناً، أو تكشف عن تهافتها. فمن السهل جداً اتهام الذين كانوا يقدمون أبناءهم قرباناً للآلهة بالهمجية والتوحش، لأنهم ذبحوهم أو القوا بهم في البحر أو النهر. وفي المقابل، من الصعب إقناعهم بأن إلقاء قنبلة ذرية على مدينة وتدميرها بمن فيها وما فيها يدخل ضمن شرعية استعمال العنف من أجل درء عنف أشد.

وبعبارة أخرى، إن المثقف فاعل أخلاقي لا يتقيد بحالات انتماء زائل لهذا الموقف أو ذاك، ولا بحالات التصنيف “العفوي” ضمن أصل “عرقي” هو بالضرورة من باب الوهم المضلل، أو من باب التصنيف الثقافي المسبق الذي لا يمكن، رغم وجوده الفعلي، أن يحل محل كل القيم النبيلة التي أفرزتها الممارسة الإنسانية الممتدة عميقاً في التاريخ. لقد مات سقراط دفاعاً عن حق الإنسان في التفكير الحر، ورفض الفرار من سجنه لكي لا يشمت به أعداؤه أو يشككون في مبادئه”.
وعلى هذا الأساس، فإن ما يفصل بين السياسي والمثقف هو الفاصل بين “الولاء” وبين “الحقيقة”، فالولاء عند إيكو مقولة أخلاقية، أما الحقيقة فمن طبيعة نظرية. الأولى للسياسي (فهو يتحرك ضمن تراتبية السلطة أو تراتبية الحزب) أما الثانية فمن اختصاص المثقف (فهو لا يهتم سوى بالقيم التي تحمي الإنسان من الظلم والانتقاص من حريته وكرامته). ولا سبيل إلى الخلط بين ما يأتي من الولاء، وما تقود إليه الحقيقة. إنه الفاصل بين إكراهات السياسة واختيارات الثقافة.
كتاب “دروس في الأخلاق” ـ برأي بنكراد ـ “لا يقدم دروساً من باب “يجب...”، بل يستحضر تجارب التاريخ ويتأملها، إنه لا يمجد أخلاق الدين، ولا يحط منها، ولكنه يجعل الفرد مسؤولاً عن سلوكه”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق