الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

هل تجيد لغة أخرى؟





ننطلق من هذا السؤال لمعرفة المساعي الجدية للمثقف في إجادة لغة أخرى ،يدرك أهميتها ،ويدرك اللذة والجمال والإفادة الواسعة في قراءة نصوص ودراسات بلغاتها الأصلية ،وهل حدث أن سعى يوما إلى دراسة لغة أخرى أكاديميا لأجل كتابته الإبداعية والنقدية والفكرية
وهل هناك معرقلات لتعلمها ذاتيا ، وهل تشكل هاجس لديه أن عدم تعلمه لغة اجنبية أخرى يشكل نقصا في مهاراته ،ومن ثم يعد سببا في ان تكون نصوصه وكتاباته ليست بالمستوى المطلوب او المرضي لديه على الأقل،ماهي الأسباب الذاتية والموضوعية التي حالت دون تعلمك لغة أخرى،توجهنا بهذه التساؤلات الى مثقفينا وكتابنا لنستقرىء اهتمامهم الجدي بما طرحناه رايا وممارسةاللغة الدفينة القاص ابراهيم سبتي اشاد بكتاب –عرفهم في تجربته الحياتية –بذلوا قصارى جهودهم في سبيل تعلم لغة اخرى كي يقرؤوا نصوص الاخر بلغته، وبحسب رأيه هنا تنتفي وساطة المترجمين كي نتمكن من قراءة ادب وفكر الاخر قراءة جاهزة ،فضلا عن ان المتعلم لغة اخرى يمتلك مهارة اخرى تفيده معرفيا وابداعيا ؛(تكمن قدرة الكاتب في مهارته الكتابية على موهبته في ادارة لغته التي يكتب ويقرأ فيها .. مع ان الاعتبار الاول في فهم نوازع اللغة يبقى مسيطرا على ادواته ان اتقن لغته الام حصرا .. الكتابة بلغة اخرى ، كتابة في ثقافة لم تكن ثقافتك يوما ولم تكن منطقة اشتغالك ابدا لكنها ستحرق مسافات طويلة في تعلم اشياء ظلت بعيدة .. انها لغة لعالم اخر فيه جسارة الاندفاع نحو مجاهيل مغلقة ورموز عصية احيانا .. في حياتي عرفت كتابا بذلوا اقسى لحظات اعمارهم من اجل ترجمة دقيقة وشريفة لنص اجنبي ولكنهم لم يكونوا مترجمين لأنهم أرادوا فقط قراءتها وفك الغازها .. وعرفت اخرين استلوا نصوصا نادرة من كتب أجنبية ليقدموها لنا ، لاننا لم نقرأ تلك النصوص ولم نعرف طريقها . فالكاتب الذي يعرف لغة غير لغته ، سيكون بمقدوره الاطلاع على مواهب الآخرين وأنماط كتاباتهم مباشرة دون وسيط ، سيكون بمقدوره ايجاد مهارة اخرى تدعمه فنيا وابداعيا). ومن ثم يذرف سبتي حسرات صادقة في عدم تعلمه لغة ثانية، ويعد المسافة الفاصلة بين لغته الام والاخرى مساحة ضائعة من عمره :( اشعر اننا الذين أخفقت جهودنا في تعلم لغة غير لغتنا منذ مرحلة المدارس وحتى المرحلة الجامعية وما بعدها ، نغرف من لغتنا الوحيدة وكاننا نيّام عما يدور من حولنا.. اشعر بالتقهقر حين ارى كتابا غير عربيا معروضا في مكتبة او على رصيف، واعتقد بان المسافة الفاصلة بين لغتي وتلك، هي مساحة مضاعة من عمري واني تاخرت كثيرا في الدخول اليها .. ان تكتب بلغة غير لغتك ، فهي متعة الخلق والابتكار لأنك ستكون اكثرنا نطقا بأسماء لم نسمع بها على الاقل وستبقى اللغة الاخرى دفينة في دواخلي لا اعرف متى اظهرها مع اني لم اتعلمها بعد). وعاء الفكر الآخر الباحث والاكاديمي جبار سويس الذهبي ،اكد اولا ضرورة اتقان اللغة الام من قبل الباحثين والاكاديميين والمثقفين والكتاب ، ومن ثم ضرورة اتقان لغة اخرى، فازاء القفزات الهائلة في العلم والتكنولوجيا ، لاينفع انتظار ما يجود به المترجم المحترف : ( اللغة هي وعاء الفكر، وهي أداة التواصل المثلى بين البشر، ومن دونها نفقد وسيلة مهمة من وسائل الاتصال مع الآخرين، لذا من الواجب أن يمتلك ارباب القلم وأصحاب صنعة الكلام ناصية لغتهم التي يستعملونها في كتاباتهم وأن يتقنوا اساليبها، ويسبروا غورها لمعرفة اسرارها، ومواطن جمالها، وهذه أولى أولويات المثقف/الكاتب. ومن ثم فإن اتقان لغة أخرى يمنحنا فرصة مشاركة أبنائها أفكارهم والاطلاع على طرائق تفكيرهم ، والإفادة من علومهم المختلفة ، ونحن إذ نعيش في عالم أصبح بفصل وسائط الاتصال صغيراً، أو مثلما يعبر عنه –قرية صغيرة- صار من الضروري التواصل بلغات أخرى، ولاسيما لغة العلم والحضارة، لمواكبة مسيرة العلم التي أخذت تنطلق بسرعة هائلة، لا يمكن اللحاق بها من دون متابعتها أولا بأول، ولاينفع معها انتظار ما يجود به المترجمون لانه بالمحصلة هذه اللغة وعاء فكر الاخر ، فمن الملح ان نتواصل معه من دون وسيط)،ومن ثم ينقل لنا جبارسويس معاناته مع النصوص المترجمة من قبل مترجمين محترفين ، ففيها تلاعب بروح النص : (أن لقراءة النصوص بلغاتها الأصلية فائدة لا تعادلها الترجمة التي تحمل من فكر اصحابها ما قد يضر في كثير من الاحيان بروح هذه النصوص، وأنا شخصياً خضت تجربة الاعتماد على المترجمين حين احتجت بعض النصوص في أطروحتي، إلا أنني تركت ما ترجم لي واعتمدت في ترجمتها على نفسي، وهذا الأمر علمني شيئاً مهما هو أن ما تقرأه أنت في اختصاصك وتترجمه، لايرقى إليه مايترجمه الآخرون من غير ذلك الاختصاص، إذ لايخفى أن لكل علم مصطلحاته وألفاظه التي قد تدل دلالة مغايرة في اختصاص آخر، وهو ما يجعل النص في كثير من الاحيان مربكا لايحمل المعنى المراد منه، إذا ما تصدى لترجمته آخر من غير ذلك التخصص.وللقراءة بلغة الكتاب الأصلية -فضلا عما ذكر- متعة تتجلى في شعورك وأنت تقرأ قربك من كاتبه، وأنك تلامس أفكاره بلا وساطة من ترجمة أو حاجز من مترجم، تشعر كأنه أمامك، جالس بين يديه تحاوره). منافع المنفى الكاتب والمترجم جمال جصاني اشار في مدونته الى بديهية ضرورة تعلم لغة اخرى، وقراءة الاخر بلغته ،وهنا يذكر جصاني رايا لافتا للانتباه حين يقلل من شأن امتلا ك ناصية بعض اللغات الشرقية ،وان اللغات الحية بحسب قوله هي اللغات الغربية ،ويذكر على سبيل المنافع الكبرى التي جناها مثقفو المغرب العربي من اللغة الفرنسية ، اما في العراق فالامر كما يصفه يصل الى مستوى النكبة، حيث حملة الشهادات العليا-غالبيتهم- ييفتقرون الى امتلاك ناصية لغة اخرى : (لم يعد خافياً على احد؛ ان اجادة لغة اخرى تمكن المرء من العيش في حياة اخرى، ومن ثم الولوج الى عالم وفضاءات لايمكن سبر اغوارها دون مساعدة اللغة الجديدة. ان عدم اجادة اية لغة اخرى غير اللغة الام يشكل عائقاً جدياً امام من يضع سبل الثقافة ودروب الابداع نصب عينيه، خاصة اولئك الذين لايجيدون سوى العربية ومن تضامن معها من لغات شرقنا الاسلامي (الفارسية والكردية والتركية و....) وهذا أمر لايحتاج الى جهد كبيرلفك طلاسمه، فهذه اللغات والصادحين بها ادمنوا المكوث عند هامش الاحداث والتصدعات الكبرى التي قذفت سلالات بني آدم عبر قفزاتها العلمية والمعرفية والقيمية الى ذرى انكمش فيها كوكبنا المترامي الاطراف الى ماعرف بالقرية الكونية. من دون لغة أو أكثر من اللغات الحية، يبقى (المثقف) في مضاربنا يترقب ما يتلقفه المترجم من مؤلفات ونصوص، يتقلها اليه وفق قدراته الفعلية والتي غالباً مايشوبها الضعف والخلل، لان هذه المهمة الحيوية تحتاج الى عمل مؤسساتي ضخم، وهذا العمل (الترجمة) يقبع في مؤخرة اهتمامات (اولي الأمر)... غير القليل منا يعرف مدى الفائدة التي منحتها اللغات الاجنبية الحية كالفرنسية مثلاً لمثقفي المغرب العربي، حيث تمكن العديد منهم من الارتقاء الى قمم معرفية وعلمية، منحونا من خلالها دراسات واضاءات وترجمات متميزة. اما في هذا الوطن المنكوب (العراق) والذي تراجعت فيه الثقافة وملحقاتها الى مستويات لاحدود لها، انكمشت حظوظ اللغات الاجنبية الى قعر الاولويات، حيث يصطدم المرء بالمئات من الذين انتزعوا الشهادات العليا دون الحاجة للاستعانة بلغة اخرى...!) جصاني يكر لنا جهوده الذاتية في تعلم اللغة الفارسية وتلك من حسنات المنفى : (اما بالنسبة لي فالفضل يعود الى المنفى الاجباري الذي منحني لغة اخرى هي الفارسية، التي ساعدتني في الاطلاع على العديد من المؤلفات المترجمة وغير المترجمة، ومن الجدير بالذكر فان الترجمة عندهم هي أوسع بكثير منها في بلدنا، الذي هجرته مثل هذه النشاطات الحيوية منذ أمد بعيد. وفي الختام يمكن القول بصعوبة او استحالة ظهور مثقف حقيقي من دون اجادته لغة أو لغات حية). المترجمون أزاحوا عنا هذا الهم القاص علاء مشذوب لم يبد متحمسا الى تعلم لغة اخرى، لان ذلك من شأن مترجمين محترفين يزيحون عنا تعلم لغة اخرى ،ويبدو ايضا ان لديه فهما ملتبسا بشأن محلية الكاتب او عالميته وعلاقتهما بامتلاك ناصية لغة اخرى: ( لا أعتقد أنني سعيت يوماً لتعلم لغة قوم ما ولم يشكل ذلك عندي هاجساً في عدم تعلمها ومن ثم مركب نقص ولم ينعكس ذلك على النصوص التي أكتبها لكي تكون بالمستوى المطلوب لأن المحلية هي الهوية الحقيقية لكل إنسان وما وصول «نجيب محفوظ» الى نوبل (بمعنى العالمية) إلا من خلال محليته ومثله «غابريل غارسيا ماركيز» بقي شيء مهم هو إن هناك علم يدعى «علم الترجمة» وهو يفي الغرض إذ ليس مناط بالمبدع أو المثقف معرفة لغة قوم ما حتى يفهم نصوصهم وإبداعاتهم فقد قرأنا نصوص أغلب الروائيين والمفكرين واستطعنا أن نتفاعل معهم ومع إبداعاتهم . ولكني لست ضد من يتعلم لغة أخرى . أما إذا جاءت فرصة بعثة أو زمالة الى أي من الدول الأوربية عند ذلك فأن واجب تعلم اللغة يصبح من الضروريات ).
بغداد- باقر صاحب
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=108810 

ليست هناك تعليقات: