باحثة مغربية تطالب بـ «تفعيل معقلن» لحركة الترجمة إلى العربية
عِلل الترجمة.. ميزانها المختلّْ
| |||
الخميس 06 يناير 2011
محمد نجيم قبل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، كان حضور الأدب العربي الحديث شبه منعدم في المشهد الثقافي الفرنسي. فباستثناء مجهودات دار سندباد التي عززت ترجمات متفرقة سابقة ـ وهي مسنودة من قبل الحكومة الجزائرية وبعض الجمعيات العربية ـ أهمل الاستشراق الفرنسي تجربة الأدب العربي الحديث، مفضلا عليها المدونة الكلاسيكية”. وقد ساهم”منح جائزة نوبل لروائي عربي برأي الدكتورة فاتحة الطايب في تزامن مع بداية النشاط الفعلي لمعهد العالم العربي بباريس ـ في انخراط الروايات العربية وبشكل متواتر في مسار ترجمات الروايات الأجنبية إلى اللغة الفرنسية. إذ أصبحت اللغة الفرنسية اليوم ـ ورغم بعض التراجع الذي تشهده بين الحين والآخر ترجمة الإبداع العربي إلى هذه اللغة لأسباب سياسية ـ تتصدر اللغات الأوروبية المترجمة للأعمال العربية الحديثة. ولهذا تأثيره الإيجابي على الآداب العربية، إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار استمرار الفرنسية في أداء دور الوسيط الأدبي في أوروبا رغم زحف اللغة الإنجليزية.
انكسار الأحادية
وترى الباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة فاتحة الطايب في كتابها “الترجمة في زمن الآخر: ترجمات الرواية المغربية إلى الفرنسية نموذجا” أن “اهتمام فرنسا والدول الأوروبية بوجه عام بالإنتاج الروائي العربي- بعد جائزة نوبل - يؤكد ارتباط عملية الترجمة إجمالا بإشعاع الكتابة، الذي يفترض فيه الارتكاز على تميز النصوص في لغاتها الأصلية”.
كما ترى أنه إذا كان “يحق لمن يتأمل في الانقطاعات المتتالية لحلقات “النهضة العربية”، وتعثر المسيرة الثقافية العربية بوجه عام، أن يطالب بالتفعيل المعقلن لحركة الترجمة إلى العربية، حتى يصبح هذا العصر عصر الترجمة بامتياز بالنسبة للعرب - من منطلق كون الترجمة سلاحا فعالا في معركة التحديث واكتساب الوعي في بلدان ما يسمى “بالعالم الثالث” ـ يحق لنا نحن أيضا الإعلان ولو بحذر شديد- ونحن نتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية إلى اللغات الأوروبية في العقود الأخيرة - بأن الزمن الترجمي لم يعد أحادي الاتجاه. فعملية المثاقفة بين العرب والأوروبيين في المجال الروائي أصبحت تجري، رغم كل ما يعتورها من نقص وقصور، في اتجاهين بدل اتجاه واحد، بفضل تدعيم جائزة نوبل ـ النسبي ـ لتفاعل الرواية العربية مع منطق حداثة تتأسس على دينامية التمازج والتفاعل، وتزامن هذا الأمر مع اضطرار جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى التزود بالإنتاج الروائي المزدهر خارج أوروبا، لملء الفراغ الذي تعرفه أنساقها الثقافية على مستوى الإنتاج الروائي المتميز”. وتمثل فرنسا حسب رأي الباحثة “حالة نموذجية في هذا المضمار. فالنسق الأدبي الفرنسي، الذي عرف صولات وجولات في الفن الروائي، بدأ يشعر منذ السبعينيات من القرن العشرين – وهي الفترة التي اكتسبت فيها الرواية العربية بريقا خاصا - أنه بحاجة ماسة إلى أن يطعم بما تنتجه الثقافات المغايرة من روايات متميزة، بعد أن اتضح للمهتمين بالشأن الثقافي بفرنسا بأن النوع الروائي لم يعد يمثل عنصرا وازنا في الإنتاج الأدبي الفرنسي”.وهكذا أصبحت فرنسا، التي تترجم سنويا ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف كتاب ـ أي ما يعادل تقريبا 15% من الإنتاج السنوي لدور النشر الفرنسية ـ أصبحت تخصص حيزا هاما للإنتاج الروائي العالمي ضمن ترجماتها.
ففي 2003 أصدرت دور النشر الفرنسية 455 رواية مترجمة من بينها روايات عربية. وفي 2005 بلغت نسبة الروايات المترجمة 42.7 % من مجموع الروايات الصادرة بفرنسا.
ورغم هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة إرسال على هذه النسبة، تليها اللغة الإسبانية فالألمانية فالإيطالية فالروسية واللغات الإسكندينافية، استطاعت اللغة العربية الإعلان عن حضورها إلى جانب بعض لغات أوروبا الوسطى والشرقية: ففي نفس السنة، ترجم خالد عثمان رواية “كتاب التجليات” لجمال الغيطاني، فحصلت على جائزة لور باتيون، بصفتها أهم رواية مترجمة إلى الفرنسية من بين 800 رواية مترجمة من لغات مختلفة. وفي نفس السنة أيضا، ترجم فيليب فيغرو رواية “المجوس” لإبراهيم الكوني، فعززت هذه الترجمة مكانة الكوني في الحقل الثقافي الفرنسي حيث مثل هذا الروائي الليبي أدب القرن الواحد والعشرين إلى جانب 50 روائيا من جميع أنحاء العالم في استطلاع لمجلة “لير”.
أما رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني، فقد استطاعت فرض نفسها في السوق الفرنسية ـ باعتبارها الكتاب العربي الأكثر رواجاً ـ فور صدور ترجمتها إلى الفرنسية من قبل جيل غوتييه في السنة الموالية (2006).
أسئلة صميمية
إن هذا التطور النسبي الملموس في مسار علاقة الإنتاج الروائي العربي بالآخر، يؤشر ولو من بعيد - حسب الباحثة - إلى بداية أفول عهد تبعية العرب للغرب في المجال الروائي. غير أن هذا النوع من التحرر وبخلاف ما توقعه كل من أسقط على الأدب المترجم أطروحة انفراد الأدب بمسار خاص له استقلاليته النسبية، لا يسير في اتجاه التأثير المستقبلي العميق في مسار العلاقات الأدبية العربية - الأوروبية المختلة لغير صالح العرب، مما كان سيستتبع بالضرورة هز منظومة التبعية باعتبارها نظاما اجتماعيا وحضاريا شاملا.
وتتساءل المؤلفة: هل نكتفي بالقول إن حركة الترجمة من العربية حركة جنينية، تحتاج ـ وهي تناضل ضد تاريخ طويل من التهميش، في عصر تسوده المنافسة الشديدة بين إنتاجات ثقافات متعددة - إلى مزيد من الجهد والوقت لكي تؤثر في العلاقات الأدبية العربية الأوروبية؟ أم أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بنوعية كثير من النصوص المختارة للترجمة، وبطبيعة النص المترجم، وبالشروط والظروف المحيطة بعملية الترجمة من العربية الحديثة إلى لغة غربية في النسقين معا: العربي / المرسل والغربي /المستقبل؟”.
وتجيب: “استنادا إلى الوحدة الثقافية التي تربط ما بين البلدان العربية، والتي تؤدي إلى استحضار الأدب العربي ككل كلما تعلق الأمر بدراسة أدب بلد من البلدان العربية، نرى أن بإمكان دراسة مقارنة لترجمة إنتاج أي قطر من الأقطار العربية إلى اللغات الغربية – في ارتباط بالأسئلة التي يطرحها على الدارس النسق الأدبي الخاص بهذا القطر- أن تضيء هذه المسألة شريطة عدم الفصل بين مشكلات الترجمة والتلقي المشروطة بذهنية مختلفة، ومشكلات الكتابة في النسق الأم”.
كما ترى الباحثة انه باستثناء بعض الدراسات شبه النادرة التي اهتمت بالشروط المحيطة بعملية ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسية، وعلى رأسها أطروحة أنس أبوالفتوح باللغة الفرنسية (1994- باريس4)، المخصصة للإنتاج الشعري والنثري المشرقي بعنوان: “تلقي الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية بعد جائزة نوبل المصرية 1988”، ركزت الدراسات العربية القليلة، التي تناولت بعض الإنتاجات الأدبية العربية المترجمة إلى بعض اللغات الغربية قبل وبعد نوبل ـ ونذكر من بينها على سبيل المثال دراسة عبده عبود (“هجرة النصوص” 1995) ـ ركزت على دور الترجمة في تشكيل صورة العربي في العالم الغربي، في معزل عن عملية المقارنة وعن ربط إشكالات الكتابة بإشكالات الترجمة والتلقي.
الرواية المغربية: نموذجاً
وفي سياق هذين السؤالين درست الباحثة طبيعة علاقة النسق الأدبي المغربي بالنسقين العربي والغربي: ما هو حظ مساهمة ترجمة الرواية المغربية إلى اللغة الفرنسية، في أواخر القرن العشرين، في تطوير النسق الأدبي المغربي وتأكيده لاستقلاليته كنسق منتج، باعتبار الترجمة عاملا مساعدا على تطوير وتحديث النسقين اللذين ينتمي إليهما النص المترجم: النسق الهدف الذي يغتني من إنجازات الثقافات الأخرى، والنسق المصدر الذي تحثه عملية ترجمة إنتاجه على الابتكار والاستمرار في البحث؟.
إن الأطروحة التي تتبناها رسالة الدكتورة فاتحة الطايب، تميز بين مسار الأدب في اللغة الواحدة، ومساره عندما ينتمي بفعل الترجمة إلى لغتين وثقافتين مختلفتين: فإذا كان تطور الرواية العربية في مجتمعات مستلبة وتابعة ومتخاذلة يؤكد انفراد الأدب بمسار خاص يتأسس على منطق له استقلاليته النسبية، فإن ترجمتها إلى اللغات الغربية تؤكد في المقابل التأثير الشديد للمستوى المادي للمجتمع على الأدب المترجم، وهذا يعني أن مساحة استقلالية الأدب تضيق خارج حدود الثقافة واللغة الواحدة، فعلاقة القوة التي تربط المجتمع المغربي/المرسل بالمجتمع الغربي/المستقبل، تؤثر بشدة على مسار الرواية المغربية المترجمة إلى الفرنسية.
وقد اشتغلت المؤلفة على روايات معروفة في الأدب المغربي وهي: “دفنا الماضي” لعبد الكريم غلاب 1966- ترجمة فرنسيس كوان، “الغرب” لعبد الله العروي 1971- ترجمة كاترين شاريو، “الخبز الحافي” لمحمد شكري 1972-ترجمة الطاهر بن جلون، “بيضة الديك “ لمحمد زفزاف 1984- ترجمة سعيد أفولوس، “لعبة النسيان” لمحمد برادة 1987- ترجمة عبد اللطيف غويرغات بمساعدة إيف غونزاليس كيخانو،”عين الفرس” للميلودي شغموم 1988-ترجمة فرانسيس كوان،”مجنون الحكم” لبنسالم حميش 1990- ترجمة محمد سعد الدين اليمني، و “الضوء الهارب” لمحمد برادة 1993-ترجمة كاترين شاريو.
وترتبط أهداف ترجمة الرواية المغربية – كما تقول المؤلفة – “بانتماء المترجمين، فإن كان المترجم وطنيا أعلن أنه يعمل، من خلال الترجمة، على التعريف بالرواية المغربية وبمؤهلات وإمكانات الذات المغربية، وإن كان فرنسيا صرح أنه يعمل على توطيد ثقافة التسامح والتعارف وتبادل الحوار”.
كما ترى الباحثة في مقدمة هذا البحث القيم “إن من مصلحة هذه الأمة أن يتم تعديل ميزانها الثقافي الخارجي. لكن الإنجازات الترجمية، تكرس بوعي وبغير وعي واقع التمايز، وتؤكد أن انعدام التلازم الآلي بين التطور المادي للمجتمع ومستوى الإبداع الفني في الثقافة واللغة الواحدة، قد يتحول إلى شبه تلازم حينما يتعلق الأمر بالترجمة بين لغتين كالعربية والفرنسية.
فرغم النوايا الحسنة التي يعبر عنها المترجمون وكتاب المقدمات والخواتم والناشرون والصحفيون، وطنيين كانوا أم أجانب، يعتبر المستوى المادي للمجتمع مقرونا بمخزون من التراكمات التاريخية والنفسية والسياسية مؤثرا في مسار ترجمة إبداع عربي إلى نسق ثقافي غربي. فالترجمة من العربية إلى الفرنسية التي تندرج ضمن علائق القوة التي تسود الثقافات المتباينة وتتحكم في اللغات، ممارسة سياسية بالمعنى الواسع للكلمة، تترجم بعمق العلاقات المعقدة والمتشابكة القائمة على الصراع والتوتر، مابين الدول الغربية والدول العربية الإسلامية بوجه عام.
كما تؤكد على أن الترجمة من لغة ثقافة يصارع مثقفوها مركبات النقص التي أفرزها موقع أوطانهم في العالم، إلى لغة ثقافة ما تزال رغم أزماتها تذكي مركب التفوق لدى مواطنيها، عملية تتحدى منطلقاتها وأهدافها أحيانا كثيرة وتنتج نصوصا تكشف عن طبيعة العلائق التي تربط بين الثقافتين على مستويي التاريخ والواقع.
انكسار الأحادية
وترى الباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة فاتحة الطايب في كتابها “الترجمة في زمن الآخر: ترجمات الرواية المغربية إلى الفرنسية نموذجا” أن “اهتمام فرنسا والدول الأوروبية بوجه عام بالإنتاج الروائي العربي- بعد جائزة نوبل - يؤكد ارتباط عملية الترجمة إجمالا بإشعاع الكتابة، الذي يفترض فيه الارتكاز على تميز النصوص في لغاتها الأصلية”.
كما ترى أنه إذا كان “يحق لمن يتأمل في الانقطاعات المتتالية لحلقات “النهضة العربية”، وتعثر المسيرة الثقافية العربية بوجه عام، أن يطالب بالتفعيل المعقلن لحركة الترجمة إلى العربية، حتى يصبح هذا العصر عصر الترجمة بامتياز بالنسبة للعرب - من منطلق كون الترجمة سلاحا فعالا في معركة التحديث واكتساب الوعي في بلدان ما يسمى “بالعالم الثالث” ـ يحق لنا نحن أيضا الإعلان ولو بحذر شديد- ونحن نتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية إلى اللغات الأوروبية في العقود الأخيرة - بأن الزمن الترجمي لم يعد أحادي الاتجاه. فعملية المثاقفة بين العرب والأوروبيين في المجال الروائي أصبحت تجري، رغم كل ما يعتورها من نقص وقصور، في اتجاهين بدل اتجاه واحد، بفضل تدعيم جائزة نوبل ـ النسبي ـ لتفاعل الرواية العربية مع منطق حداثة تتأسس على دينامية التمازج والتفاعل، وتزامن هذا الأمر مع اضطرار جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى التزود بالإنتاج الروائي المزدهر خارج أوروبا، لملء الفراغ الذي تعرفه أنساقها الثقافية على مستوى الإنتاج الروائي المتميز”. وتمثل فرنسا حسب رأي الباحثة “حالة نموذجية في هذا المضمار. فالنسق الأدبي الفرنسي، الذي عرف صولات وجولات في الفن الروائي، بدأ يشعر منذ السبعينيات من القرن العشرين – وهي الفترة التي اكتسبت فيها الرواية العربية بريقا خاصا - أنه بحاجة ماسة إلى أن يطعم بما تنتجه الثقافات المغايرة من روايات متميزة، بعد أن اتضح للمهتمين بالشأن الثقافي بفرنسا بأن النوع الروائي لم يعد يمثل عنصرا وازنا في الإنتاج الأدبي الفرنسي”.وهكذا أصبحت فرنسا، التي تترجم سنويا ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف كتاب ـ أي ما يعادل تقريبا 15% من الإنتاج السنوي لدور النشر الفرنسية ـ أصبحت تخصص حيزا هاما للإنتاج الروائي العالمي ضمن ترجماتها.
ففي 2003 أصدرت دور النشر الفرنسية 455 رواية مترجمة من بينها روايات عربية. وفي 2005 بلغت نسبة الروايات المترجمة 42.7 % من مجموع الروايات الصادرة بفرنسا.
ورغم هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة إرسال على هذه النسبة، تليها اللغة الإسبانية فالألمانية فالإيطالية فالروسية واللغات الإسكندينافية، استطاعت اللغة العربية الإعلان عن حضورها إلى جانب بعض لغات أوروبا الوسطى والشرقية: ففي نفس السنة، ترجم خالد عثمان رواية “كتاب التجليات” لجمال الغيطاني، فحصلت على جائزة لور باتيون، بصفتها أهم رواية مترجمة إلى الفرنسية من بين 800 رواية مترجمة من لغات مختلفة. وفي نفس السنة أيضا، ترجم فيليب فيغرو رواية “المجوس” لإبراهيم الكوني، فعززت هذه الترجمة مكانة الكوني في الحقل الثقافي الفرنسي حيث مثل هذا الروائي الليبي أدب القرن الواحد والعشرين إلى جانب 50 روائيا من جميع أنحاء العالم في استطلاع لمجلة “لير”.
أما رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني، فقد استطاعت فرض نفسها في السوق الفرنسية ـ باعتبارها الكتاب العربي الأكثر رواجاً ـ فور صدور ترجمتها إلى الفرنسية من قبل جيل غوتييه في السنة الموالية (2006).
أسئلة صميمية
إن هذا التطور النسبي الملموس في مسار علاقة الإنتاج الروائي العربي بالآخر، يؤشر ولو من بعيد - حسب الباحثة - إلى بداية أفول عهد تبعية العرب للغرب في المجال الروائي. غير أن هذا النوع من التحرر وبخلاف ما توقعه كل من أسقط على الأدب المترجم أطروحة انفراد الأدب بمسار خاص له استقلاليته النسبية، لا يسير في اتجاه التأثير المستقبلي العميق في مسار العلاقات الأدبية العربية - الأوروبية المختلة لغير صالح العرب، مما كان سيستتبع بالضرورة هز منظومة التبعية باعتبارها نظاما اجتماعيا وحضاريا شاملا.
وتتساءل المؤلفة: هل نكتفي بالقول إن حركة الترجمة من العربية حركة جنينية، تحتاج ـ وهي تناضل ضد تاريخ طويل من التهميش، في عصر تسوده المنافسة الشديدة بين إنتاجات ثقافات متعددة - إلى مزيد من الجهد والوقت لكي تؤثر في العلاقات الأدبية العربية الأوروبية؟ أم أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بنوعية كثير من النصوص المختارة للترجمة، وبطبيعة النص المترجم، وبالشروط والظروف المحيطة بعملية الترجمة من العربية الحديثة إلى لغة غربية في النسقين معا: العربي / المرسل والغربي /المستقبل؟”.
وتجيب: “استنادا إلى الوحدة الثقافية التي تربط ما بين البلدان العربية، والتي تؤدي إلى استحضار الأدب العربي ككل كلما تعلق الأمر بدراسة أدب بلد من البلدان العربية، نرى أن بإمكان دراسة مقارنة لترجمة إنتاج أي قطر من الأقطار العربية إلى اللغات الغربية – في ارتباط بالأسئلة التي يطرحها على الدارس النسق الأدبي الخاص بهذا القطر- أن تضيء هذه المسألة شريطة عدم الفصل بين مشكلات الترجمة والتلقي المشروطة بذهنية مختلفة، ومشكلات الكتابة في النسق الأم”.
كما ترى الباحثة انه باستثناء بعض الدراسات شبه النادرة التي اهتمت بالشروط المحيطة بعملية ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسية، وعلى رأسها أطروحة أنس أبوالفتوح باللغة الفرنسية (1994- باريس4)، المخصصة للإنتاج الشعري والنثري المشرقي بعنوان: “تلقي الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية بعد جائزة نوبل المصرية 1988”، ركزت الدراسات العربية القليلة، التي تناولت بعض الإنتاجات الأدبية العربية المترجمة إلى بعض اللغات الغربية قبل وبعد نوبل ـ ونذكر من بينها على سبيل المثال دراسة عبده عبود (“هجرة النصوص” 1995) ـ ركزت على دور الترجمة في تشكيل صورة العربي في العالم الغربي، في معزل عن عملية المقارنة وعن ربط إشكالات الكتابة بإشكالات الترجمة والتلقي.
الرواية المغربية: نموذجاً
وفي سياق هذين السؤالين درست الباحثة طبيعة علاقة النسق الأدبي المغربي بالنسقين العربي والغربي: ما هو حظ مساهمة ترجمة الرواية المغربية إلى اللغة الفرنسية، في أواخر القرن العشرين، في تطوير النسق الأدبي المغربي وتأكيده لاستقلاليته كنسق منتج، باعتبار الترجمة عاملا مساعدا على تطوير وتحديث النسقين اللذين ينتمي إليهما النص المترجم: النسق الهدف الذي يغتني من إنجازات الثقافات الأخرى، والنسق المصدر الذي تحثه عملية ترجمة إنتاجه على الابتكار والاستمرار في البحث؟.
إن الأطروحة التي تتبناها رسالة الدكتورة فاتحة الطايب، تميز بين مسار الأدب في اللغة الواحدة، ومساره عندما ينتمي بفعل الترجمة إلى لغتين وثقافتين مختلفتين: فإذا كان تطور الرواية العربية في مجتمعات مستلبة وتابعة ومتخاذلة يؤكد انفراد الأدب بمسار خاص يتأسس على منطق له استقلاليته النسبية، فإن ترجمتها إلى اللغات الغربية تؤكد في المقابل التأثير الشديد للمستوى المادي للمجتمع على الأدب المترجم، وهذا يعني أن مساحة استقلالية الأدب تضيق خارج حدود الثقافة واللغة الواحدة، فعلاقة القوة التي تربط المجتمع المغربي/المرسل بالمجتمع الغربي/المستقبل، تؤثر بشدة على مسار الرواية المغربية المترجمة إلى الفرنسية.
وقد اشتغلت المؤلفة على روايات معروفة في الأدب المغربي وهي: “دفنا الماضي” لعبد الكريم غلاب 1966- ترجمة فرنسيس كوان، “الغرب” لعبد الله العروي 1971- ترجمة كاترين شاريو، “الخبز الحافي” لمحمد شكري 1972-ترجمة الطاهر بن جلون، “بيضة الديك “ لمحمد زفزاف 1984- ترجمة سعيد أفولوس، “لعبة النسيان” لمحمد برادة 1987- ترجمة عبد اللطيف غويرغات بمساعدة إيف غونزاليس كيخانو،”عين الفرس” للميلودي شغموم 1988-ترجمة فرانسيس كوان،”مجنون الحكم” لبنسالم حميش 1990- ترجمة محمد سعد الدين اليمني، و “الضوء الهارب” لمحمد برادة 1993-ترجمة كاترين شاريو.
وترتبط أهداف ترجمة الرواية المغربية – كما تقول المؤلفة – “بانتماء المترجمين، فإن كان المترجم وطنيا أعلن أنه يعمل، من خلال الترجمة، على التعريف بالرواية المغربية وبمؤهلات وإمكانات الذات المغربية، وإن كان فرنسيا صرح أنه يعمل على توطيد ثقافة التسامح والتعارف وتبادل الحوار”.
كما ترى الباحثة في مقدمة هذا البحث القيم “إن من مصلحة هذه الأمة أن يتم تعديل ميزانها الثقافي الخارجي. لكن الإنجازات الترجمية، تكرس بوعي وبغير وعي واقع التمايز، وتؤكد أن انعدام التلازم الآلي بين التطور المادي للمجتمع ومستوى الإبداع الفني في الثقافة واللغة الواحدة، قد يتحول إلى شبه تلازم حينما يتعلق الأمر بالترجمة بين لغتين كالعربية والفرنسية.
فرغم النوايا الحسنة التي يعبر عنها المترجمون وكتاب المقدمات والخواتم والناشرون والصحفيون، وطنيين كانوا أم أجانب، يعتبر المستوى المادي للمجتمع مقرونا بمخزون من التراكمات التاريخية والنفسية والسياسية مؤثرا في مسار ترجمة إبداع عربي إلى نسق ثقافي غربي. فالترجمة من العربية إلى الفرنسية التي تندرج ضمن علائق القوة التي تسود الثقافات المتباينة وتتحكم في اللغات، ممارسة سياسية بالمعنى الواسع للكلمة، تترجم بعمق العلاقات المعقدة والمتشابكة القائمة على الصراع والتوتر، مابين الدول الغربية والدول العربية الإسلامية بوجه عام.
كما تؤكد على أن الترجمة من لغة ثقافة يصارع مثقفوها مركبات النقص التي أفرزها موقع أوطانهم في العالم، إلى لغة ثقافة ما تزال رغم أزماتها تذكي مركب التفوق لدى مواطنيها، عملية تتحدى منطلقاتها وأهدافها أحيانا كثيرة وتنتج نصوصا تكشف عن طبيعة العلائق التي تربط بين الثقافتين على مستويي التاريخ والواقع.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق