ما الترجمة؟
يمكن
في الواقع تقسيم الترجمة إلى قسمين رئيسين, الترجمة التحريرية والترجمة
الشفهية. وتعرف الترجمة الشفهية بعدة أنواع هي الترجمة الفورية, والترجمة
التتبعية, والترجمة الثنائية. أما الترجمة التحريرية فيقصد بها ترجمة
النصوص المكتوبة بأنواعها, وتتنوع الصعوبات فيها بتنوع النصوص المترجمة
فهي تنقسم أيضا إلى قسمين رئيسين: الترجمة الأدبية والترجمة العلمية أو
المتخصصة. وتعرف الترجمة التحريرية بأنواع كثيرة أهمها الترجمة الحرفية,
والترجمة الحرة أو بتصرف, والترجمة التفسيرية, والترجمة الدلالية,
والترجمة التواصلية.
إن ما دعانا إلى هذا التوضيح الموجز
لأهم أنواع الترجمة وطرقها هو ما لاحظناه لدى كثير من الطلاب والدارسين
الذين يخلطون بين نظريات الترجمة وطرقها, والذين يطلقون على الترجمة
الحرفية أو الحرة أو الدلالية أو التواصلية مصطلح نظريات الترجمة, وهذا
خطأ واضح, فعندما نترجم نصا ما كلمة كلمة فإننا نستخدم الترجمة الحرفية,
وعندما ننقل المعنى ونراعي الدلالات المعجمية والبنى النحوية فإننا نستخدم
الترجمة الدلالية, وعندما نقوم بتحقيق المطابقة في التأثير على القارئ
فإننا نستخدم الترجمة التواصلية, فهذه يطلق عليها أنواع أو طرق الترجمة
ولا مجال للنظرية هنا.
لقد مرت نظرية الترجمة منذ نشأتها
إلى يومنا هذا بثلاث مراحل: المرحلة ما قبل اللسانية التي دامت حتى مطلع
القرن العشرين, والتي تميزت بمقاربة فقهلغوية وفلسفية كان يقوم بها
مترجمون يرمون من ورائها إلى تعميق معرفتهم بعملهم والتبحر فيه, والمرحلة
اللسانية التي دامت حتى الستينيات, والتي تميزت بتحليل الظاهرة الترجمية
تحليلا علميا وبتمحيص وقائعها على مستوى اللسان, والمرحلة ما بعد اللسانية
التي ابتدأت منذ سبعينيات القرن العشرين, والتي تميزت بمحاولة التركيب بين
المقاربتين السابقتين وبنظرية التواصل والنصية. وقد كانت المرحلة الأخيرة
رد منظري الترجمة وممارسيها (أمثال نايدا Nida, وسيليسكوفيتش Seleskovitch
, ولادميرال Ladmiral على أطروحة اللسانيين أمثال فيدروف Fedrov , وفيني
وداربلنيه Vinay et Darbelnet , ومونان Mounin , وكاتفورد Catford) التي
تعتبر الترجمة ظاهرة لسانية, وعلى أطروحة التجريبيين (من أمثال كاري Cary
, وشتاينر Steiner , وميشونيك Meschonnic)(1).
ويمكن القول
إننا نقترب في الوقت الحالي من نظرية فريدة وكلية في الترجمة, وإن هذه
الظاهرة المعقدة والمركبة تدفع ببعض الباحثين إلى أن يفضلوا في دراساتهم
العناصر اللسانية, ويدفع بالبعض الآخر إلى تفضيل المحتويات المعرفية,
ويدفع بسواهم إلى تفضيل المظاهر الإيناسية, ويدفع بغير هؤلاء وأولئك إلى
تفضيل الفروق والتلوينات الأدبية, وهلمجرا. وقد تمخض عن ذلك عدة مناهج في
الترجمة لخصها لنا كل من نيوبرت وشريف
Albert Neubert & Greory M. Shreve
في
كتابهما المعنون الترجمة وعلوم النص, وهذه المناهج هي: النقدي, والعملي,
واللغوي, ومنهج لغويات النص, والثقافي الاجتماعي, والحاسوبي, واللغوي
النفسي. وقد درس المؤلفان هذه المناهج دراسة نقدية, وخلصا إلى القول:
"يمكن لكل منهج من هذه المناهج أن يساهم في بناء نظرية أكثر طموحا وأكثر
ملاءمة وتكاملا حول الترجمة من دون أن يتخلى عن وجهة نظره الخاصة " (2).
و
مع ذلك, إننا نرى الآن أن معظم منظري الترجمة الذين ينتمون إلى آفاق
مختلفة, ويتباينون في ما يستعملون من مصطلحات, وما يضعون من تصنيفات,
يتفقون في الجوهر, على اعتبار الترجمة ظاهرة واحدة وفريدة, وإن تعددت
وجوهها, فهي في نظرهم, نظرية:
أ- تتلخص في تحوير جوهر النص الذي يشتمل على عناصر دلالية وأسلوبية,
ب- تتم على مستوى العبارة المحققة,
ت- تهدف إلى التواصل,
ث- يتحقق فيها الفهم بواسطة التأويل.
وليس
غريبا أن يكون الباحثون الذين احتاروا في أمر هذه الظاهرة وتعقدها, هم
البادئون إلى تفكيكها, وليس غريبا أيضاً, أن يحاول المختصون في علوم أخرى,
كاللسانيات والإيناسة بصفة عامة, تحليل بعض جوانب هذه الظاهرة. إلا أن علم
الترجمة traductologie صار يحدد موضوعه, وينشئ مناهجه الخاصة به, مرتقيا,
بالتدريج, إلى مرتبة تخصص علمي قائم بذاته.
وسوف نحاول في السطور التالية أن نعرض لأهم النظريات في الترجمة, لاسيما النظرية اللغوية والنظرية التفسيرية.
يعتبر
كل من فيدروف وفيني وداربلنيه ومونان وكاتفورد كما ذكرنا من أوائل من دافع
عن النظرية اللغوية في الترجمة التي تفترض أن النص الذي يترجم يتكون من
الكلمات, وأن هذه الكلمات هي المادة الموضوعية الوحيدة التي تتوفر بين يدي
المترجم الذي يقوم عمله على ترجمة هذه الكلمات, ويركز انتباهه على اللغة
بمعناها السوسوري (نسبة إلى سوسور Saussure).
يرى فيدروف أن
عملية الترجمة عملية لغوية في المقام الأول, وأن كل نظرية في الترجمة يجب
أن تدرج في عداد المواد اللسانية. ويطالب فيني وداربلنيه بإدراج الترجمة
في إطار اللسانيات, ويقترحان سبع طرق للترجمة وهي الاقتراض أو الدخيل,
والنسخ, والترجمة الحرفية, والتحوير, والتكييف, والتعادل, والملاءمة أو
التصرف, ويميزان تمييزاً واضحاً بين الفرنسية والإنجليزية. والواقع أن
الأسلوبية المقارنة التي يقترحانها هي مادة تلي الترجمة ولاتسبقها,
ولايمكن بالتالي أن تكون طريقة لها.
و يقرر مونان في القسم الأول من كتابه المسائل النظرية في الترجمة
Les problèmes théoriques de la traduction
أن
"الترجمة احتكاك بين اللغات ولكنها حالة قصوى من الاحتكاك يقاوم فيها
المتكلم ثنائي اللغة كل انحراف عن المعيار اللغوي, وكل تداخل بين اللغتين
اللتين يتناوبهما", ويقترح أن "تدرس اللسانيات المعاصرة مسائل الترجمة
بدلا من أن تبقى الترجمة وسيلة إيضاح لبعض المسائل اللسانية". ويجيب مونان
في الفصل الثاني عن السؤال التالي: هل الدراسة العلمية لعملية الترجمة جزء
من اللسانيات؟ وتبدأ إجابته بعرض الخلاف بين المترجمين الذين يقولون إن
الترجمة فن لا ينحصر داخل حدود اللسانيات, وبين اللسانيين الذين يدعون إلى
اعتبار عملية الترجمة عملية لسانية في المقام الأول, ويتخذ موقفا توفيقيا
بين الطرفين فيقر بأن الترجمة "فن كالطب, ولكنها فن مبني على علم" (3) هو
علم اللسانيات.
وأما كاتفورد فإنه يضع الترجمة في كتابه نظرية لغوية
في الترجمة في إطارها الصحيح, وذلك على مستويين: مستوى اللغة الصرف,
ومستوى التعبير الكلامي. فهو يهتم على المستوى اللغوي الصرف بجميع مكونات
النص, من صوت وحرف وكلمة وعبارة, إلا أنه يتجاوز ذلك إلى مستوى المعنى
الذي تهدف إليه العبارة, وقد توصل إلى نتيجة في غاية الأهمية, تضع الترجمة
بين حدين رئيسين: الحد الأصغر, وهو السمة, والحد الأكبر وهو المعنى,
يؤطرهما مفهوما التكافؤ والتناظر اللذان بدونهما لا تبلغ عملية الترجمة
درجة الكمال, إلا أن هذه العملية ليست نقلا على المستويات المفرداتية
والمعجمية بقدر ماهي "استبدال" لنص كتب في لغة معينة بنص آخر كتب في لغة
أخرى. يقول كاتفورد: " إنه من الضروري لنظرية الترجمة أن تستند إلى نظرية
في المعنى. ومن دون نظرية كهذه تظل عدة مظاهر محددة وهامة في عملية
الترجمة غير قابلة للمناقشة"(4).
ومن الذين أكدوا على على
أهمية نقل المعنى وضرورة إعطائه الأولوية على سائر العناصر الأخرى نايدا
الذي ساهم في تطوير نظرية المعادل الديناميكي, حيث يرى أن طبيعة الترجمة
تقوم على إعادة إنتاج الرسالة بأقرب معادل لها في لغة الهدف وذلك في ما
يتعلق بالمعنى والأسلوب, ويعني بذلك أن يسعى المترجم إلى إيجاد معادل للنص
الأصلي وليس إلى إيجاد نص مطابق له, ذلك لأن اللغات تختلف في وسائل
تعبيرها, ولايمكن أن تتطابق تطابقا كاملا. ويعتبر بيتر نيومارك Peter
Newmark أيضا من أنصار النظرية اللغوية بدفاعه عنها دفاعا قويا في كتابه
المعنون كتاب في الترجمة A Textbook of Translation , وقوله: "نترجم
الكلمات لأن ليس هناك شيئ آخر نترجمه, لا يوجد على الصفحات سوى الكلمات,
فقط لاغير"(5).
ويرى نيومارك أن اهتمام نظرية الترجمة ينصب
بشكل رئيس على طرائق الترجمة التي تناسب أكبر عدد ممكن من أنواع نصوص
الترجمة أو فئاتها, وأنها تقدم لنا إطار عمل من المبادئ والقواعد المحددة
والتلميحات لترجمة النصوص ولنقد الترجمات, أي أنها تقدم لنا خلفية لحل
المشكلات المتعلقة بالترجمة. و تبين لنا النظرية أساليب الترجمة الممكنة
وتقدم الحجج المؤيدة أو المعارضة لاستخدام ترجمة بدلا من أخرى في سياق
معين. ويضيف أن نظرية الترجمة تعنى بالخيارات والقرارات, وليس بآليات أي
من اللغتين, وتحاول تقديم أفكار مفيدة حول العلاقة بين الفكرة والمعنى
واللغة, وحول المظاهر أو الجوانب العالمية والثقافية والفردية للغة
والسلوك, أي فهم الثقافات, وحول تفسير النصوص التي يمكننا توضيحها بل وحتى
استكمالها أو الإضافة إليها عن طريق الترجمة. وهكذا نجد أن نظرية الترجمة
تغطي مجالا واسعا وتحاول دائما أن تثبت فائدتها, وأن تعين المترجم بتحفيزه
على الكتابة بشكل أفضل وعلى اقتراح النقاط المتفق عليها حول مشكلات
الترجمة العامة, "فالافتراضات والأفكار حول الترجمة لاتنبع عادة إلا من
الممارسة, كما يجب ألا تطرح هذه المقترحات والأفكار دون أمثلة من نصوص
أصلية مع ترجماتها"(6).
ويقترح نيومارك عددا من المعايير
والأولويات لتحليل النص مثل الغرض من النص أو نواياه, ونوايا المترجم,
والقارئ وجو النص, ونوعية كتابة النص وسلطته, ويذكر (ص 48-49) المعايير
التي يطبقها منظر الترجمة على ترجمة كل نوع من أنواع النصوص, ثم يقترح (ص
50) طريقتين للترجمة تناسبان أي نص, وهما "الترجمة الاتصالية, حيث يحاول
المترجم أن يعطي لقراء اللغة الهدف نفس التأثير الذي يعطيه الأصل لقراء
اللغة المصدر, والترجمة الدلالية, حيث يحاول المترجم في حدود القيود
النحوية والدلالية للغة الهدف أن يعيد تقديم المعنى السياقي الدقيق
للمؤلف", ويعقد بينهما مقارنة مطولة.
ويبدو أن عدم دقة
المصطلحات ووضوحها عند نيومارك, وبخاصة عند محاولة التمييز بين الترجمة
الدلالية والترجمة التواصلية جعلنا نصاب بالحيرة وصعوبة ما يقصده على وجه
الدقة, وأن أبرز ما يميز الترجمة التواصلية عن الترجمة الدلالية هو مبدأ
"التأثير المعادل", موافقا في ذلك كولر Koller الذي سبقه في تبني هذا
المبدأ. يرى نيومارك أن الترجمة التواصلية تحدث في قرائها أثرا يعادل
الأثر الذي يحدثه النص الأصلي في قرائه, وذلك من خلال ملاحظة السياق الذي
يدور عليه المعنى الأصلي, بينما تهدف الترجمة الدلالية إلى نقل البنى
والدلالات المعجمية للألفاظ من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف وهو ما تقوم
به المعاجم على اختلاف أنواعها. و لتبسيط الفرق بين الترجمتين يقدم
نيومارك مثالا بترجمة عبارة كتبت باللغة الألمانية ( Hund Bissiger )
أو
باللغة الفرنسية ( Chien méchant ) , فعندما نقول "احترس من الكلب "
Beaware of dog فإننا نقدم ترجمة تواصلية, بينما إذا ترجمنا العبارة نفسها
&بـ " كلب يعض " bites Dog that أو بـ" كلب متوحش" Savage dog فإننا
نترجم أو نعبر دلاليا. وعلى الرغم من أن الترجمة الدلالية تعطي "معلومات
أفضل ولكنها أقل فعالية وتأثيرا " من الترجمة التواصلية, فالترجمة الأولى
للعبارة " أسلس أسلوبا وأكثر بساطة ووضوحاً " بالنسبة إلى القارئ أو
السامع من الترجمة الدلالية (ص 83). وبشكل عام, يعتقد نيومارك أن أغلب
النصوص تتطلب ترجمة تواصلية, لا دلالية, فمعظم الكتابات غير "الأدبية"
والصحافة والمقالات والكتب الإعلامية والكتب الدراسية والتقارير والكتابة
العلمية والتقنية والمراسلات غير الشخصية والدعاية السياسية والتجارية
والإعلانات العامة والكتابات المقننة والقصص الجماهيرية, كل هذه تشكل حسب
اعتقاده مادة نموذجية للترجمة التواصلية, بينما تتطلب الكتابات الإبداعية
التي تكون لغة الكاتب أو المتكلم فيها أهم من محتوى كلامه - سواء كانت
فلسفية أو دينية أو سياسية أو علمية أو فنية أو أدبية - ترجمة دلالية تكون
قريبة ما أمكن إلى أبنية الأصل المعجمية والنحوية( ص92).
الترجمة
فن لكنها فن يقوم على العلم. ويرى البعض أن هذا العلم هو علم اللغة أو
اللسانيات, وأن من أوضح تطبيقات اللسانيات الحاسوبية محاولة تطوير أداة
لترجمة آلية, وأننا نعيش الآن بداية ثورة ستغير العالم: ستقربنا تكنولوجيا
الترجمة الآلية بصورة كبيرة من إيجاد نظام اتصالات عالمي, مع المحافظة في
الوقت نفسه على ثراء التنوع اللغوي والثقافي وثرائه. وتتمثل أداة هذا
التحول في نظام الترجمة الآلي التزامني
Système de Traduction Automatique Synchrone (STAS)(7).
ومن
النظريات المهمة في الترجمة النظرية التفسيرية التي تدرس في المدرسة
العليا للترجمة الفورية والتحريرية. ESIT تعتبر النظرية التفسيرية الترجمة
حلقة من سلسلة التواصل التي تقيم علاقة بين مؤلف النص الأصل من جهة وقارئ
النص المترجم من جهة أخرى. تقول ماريان لوديرير Marianne Lederer: " تتصف
الترجمة التفسيرية بثلاث مراحل ترد ضمن تسلسل اتفاقي تقريباً, وغالباً ما
تكون متداخلة وغير متتابعة, ولكننا نستطيع تقديمها بشكل منفصل لتسهيل
العرض: فهم المعنى –تعريته من ألفاظه الأصلية - إعادة التعبير" (8). إن
المرحلة المتوسطة ضرورية لتجنب المنامطة (الترجمة اللغوية) والمحاكاة
(الترجمة الحرفية). ومن الأمثلة التي تسوقها لوديرير عن منامطة الكلمات
والجمل كلمة liberated في المثال
Behind every liberated woman, there is another woman who has to do the dirty work for her,
حيث يؤدي عدم تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية إلى مشكلة في التعبير, والجملة She always knows where his shirts are
التي
يؤدي فيها عدم تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية أيضا إلى الترجمة الحرفية.
وترى لوديرير أن مسألة تعرية المعنى من ألفاظه الأصلية مسألة منهجية, وأن
الذين لا يدركون ضرورتها تصبح مهمتهم صعبة: " إما أنهم يكتبون ترجمتهم من
دون أن تفارق أعينهم النص الأصل, وإما أنهم لايصيغون جملتهم صياغة ذهنية
قبل أن يسجلوها على الورق, وتكون النتيجة أكثر رعونة إذا عبروا عن فكرة
متحررة كليا من غطائها اللفظي". وتوضح لوديرير هذه النقطة بالجملة
( He starts screaming he didn't marry a woman who would ignore her house and children )
التي أدت إلى عدد كبير من الأخطاء, وكان ينبغي من أجل التعبير عنها أن يتم فهمها بعيدا عن البنية اللغوية كما في الترجمة التالية:
Il
pousse les hauts cris en disant que sa femme abandonne ses enfants et
son foyer et qu'il ne s'est pas marié pour ça. إن المترجم يفسر كلمات
النص الأصلي من أجل فهم معناه, ثم يعيد صياغته لينتج نصا ثانيا, يكون
تاثيره على القارئ الجديد هو نفس تأثير النص الأول على قرائه. فإذا كان
هدف الترجمة, حسب النظرية اللغوية هو القول, فإنه حسب النظرية التفسيرية,
معنى القول:"إن المعنى, بسيطا كان أم معقدا, هو الغاية التي تسعى اللغة
إلى بلوغها, وهو العنصر الرئيس للعلاقات بين البشر, وهو أيضا الهدف الذي
ترمي إليه الترجمة"(9).
زد على ذلك أن النظرية اللغوية تعتبر أن
النص وحدة مغلقة ذات بعد واحد. يتألف النص من مجموعة من الكلمات المتتالية
التي تعطي التراكيب التي تؤدي بدورها إلى الجمل. فالنص عبارة عن سلسلة من
الجمل. وبالمقابل, يؤخذ النص في النظرية التفسيرية بديناميكيته, أي
باعتباره وحدة مفتوحة ذات أبعاد ثلاثة: البعد الأفقي (البعد الأول) الذي
تمنحه إياه النظرية اللغوية, والبعد العمودي (البعد الثاني) المتمثل في
ارتباط الأفكار والحجج التي يعرضها, والبعد العرضي (البعد الثالث) المتمثل
في علاقة النص بنصوص أخرى وفي انتمائه إلى نوع معين. وهكذا نجد أن موقف
النظرية اللغوية من النص موقف وضعي, فهي تتخذه حقلا لبحثها وتعتبره وحدة
مغلقة بعيدة عن عين المراقب ومستقلة استقلالا كليا عنه, بعكس النظرية
التفسيرية التي تتطلب مشاركة المراقب القارئ في النص وذلك عن طريق تفسيرة
لما وراء القول وتكيفه مع النص, إذ لا وجود للنص المكتوب من دون تدخل هذا
القارئ المراقب الذي يستطيع إظهار المعنى من خلال التفسير, ولاوجود للنص
الذي سيكتبه إن لم يأخذ بعين الاعتبار القارئ الذي يتوجه إليه بدوره, أي
في بعده التواصلي. فالترجمة لا تتطلع إلى تحقيق المطابقة في التركيب بين
الأصل وترجمته, وإنما "إلى تحقيق المطابقة في التأثير على القارئ. و من
أجل الحصول على هذه المطابقة "لا بد من تكيف ثقافي في الترجمة يسد الفوارق
في رؤية العالم بين مجموعة قراء النص الأصل وجمهور الترجمة الجديد" (10).
سبق
أن قلنا إن الصعوبات في الترجمة تتنوع بتنوع النصوص المترجمة, وإن النصوص
تنقسم إلى قسمين: النصوص الأدبية, والنصوص العلمية أو المتخصصة. ينتج
الفرق بين الترجمة الأدبية والترجمة العلمية عن سببين رئيسين: الاختلاف
بين النصوص الأدبية والنصوص العلمية, والاختلاف بين طبيعة عمل المترجم
الأدبي وغايته وطبيعة عمل المترجم العلمي وغايته. فغاية المترجم الأدبي
غاية جمالية. أما المترجم العلمي فليست غايته غاية جمالية, وتغلب على عمله
الغاية وليس الوسيلة, إذ إنه يسعى إلى نقل المعلومات, وإلى الموضوعية
والتزام الدقة المتناهية والأمانة في التعبير عن الفكرة التي يريد
توصيلها, مع مراعاة ترتيب عناصر النص بالطريقة التي رتبت فيها في الأصل
حتى لو تنافى ذلك مع جمال الأسلوب ومنطق اللغة التي ينقل إليها, ويستخدم
الأرقام والرموز والمصطلحات والمختصرات التي تصيب الهدف بشكل مباشر. يجب
أن تكون لغة المترجم العلمي لغة علمية من حيث المبنى والمعنى ليتمكن من
النقل من لغة إلى أخرى, بل إن الأمر يحتاج أحيانا إلى التخصص في المادة
التي ينقل منها وإليها, أي إلى الإطلاع والبحث والتوثيق, وهو ما قادتنا
إليه طبيعة معظم النصوص العلمية التي قمنا بترجمتها. فالمترجم, مهما بلغت
درجة ثقافته, لا يمكن أن يكون متخصصا بجميع المواضيع, لذا يجب عليه أن
يبحث عن المعلومات التي تنقصه بالتوثيق في المجال الذي يعالجه النص, وفي
لغتي الأصل والهدف, ليكتشف كيفية الحديث عنه, وليفهم, بمعنى آخر, النص
الأصل من جهة, والمصطلحات والتراكيب اللازمة لإنتاج الترجمة من جهة أخرى.
ترى سيلفيا غاميرو بيريز أن النصوص المتخصصة تتميز أساسا باستعمال ما يسمى
لغات التخصص, وتحدد خمسة مستويات من المهارات يجب أن يتمكن منها المترجم
المحترف, وهي معلومات حول المجال الموضوعاتي, و امتلاك المصطلحات الخاصة,
والقدرة على الاستنتاج المنطقي, والتعرف على أنواع النص وأجناسه, والقدرة
على اكتساب الوثائق. (11). ويرى البعض أنه يمكن الحصول على الوثائق من
المصادر التالية: المختصرات, والموسوعات, ومختصرات دراسة الأسلوب وتحرير
النصوص, والمجلات العامة, والمجلات المتخصصة, ومجلات ملخصات الأبحاث,
ومحاضر المؤتمرات, وأطروحات الدكتوراه والماجستير, والتشاور مع المختصين,
وأنشطة المختصين(12).
إن المترجم العلمي يواجه يوميا لغات
متخصصة وكما هائلا من المصطلحات, ويحتاج إلى إيجاد أو وضع مقابل لها في
اللغة التي يترجم إليها, ولهذا يتعين عليه الاستعانة بالمعاجم العلمية
المتخصصة من أجل التحقق من انتماء المصطلحات التي يستخدمها إلى العلم الذي
ينتمي إليه النص, وقد تسعفه المعاجم والقواميس في ذلك وقد تخذله, وربما
يسأل أهل العلم والاختصاص أو يضطر إلى وضع ما يقابلها. وإن لكل لغة علمية
أو مختصة مصطلح وأسلوب خاصين بها, فالمترجم العلمي العربي يواجه في كثير
من الأحيان نصوصا حررها مختصون يستخدمون للحديث عن مجال تخصصهم أداة
مفهومية يرون أنها ضرورية لنجاح تحليلهم, ويلجؤون أيضا إلى عبارة مختصة
توفر للمعلومة العلمية الصرامة المطلوبة. ترى فائزة القاسم أن المترجم إلى
اللغة العربية يتعرف خلال مرحلة كتابة النص ثغرات معجمه فيلجأ إلى الخطوات
التالية: العمل على النص الذي يحاول فيه المترجم امتلاك الأدوات
المفهومية, وتحمل توقعات المتلقي الأخير الذي يضيف فيه معلومات لتأمين
وضوح الرسالة, ويعد بلاغة تقنية تنم عن نظام متكامل من الإحالات الثقافية
ليجعل الرسالة مفهومة لدى جمهور كبير, ومسار المترجم الذي يلجأ فيه إلى
الصياغات الجديدة بطريقة النسخ عن الأصل الأجنبي, وإلى استخدام مصطلحات
اللغة الدارجة لتسمية مفاهيم غير معروفة وابتداع المصطلحات مع مراعاة
قوانين اللغة العربية الفصحى, وإلى التأويل/ الشرح, والنحت, والمنهجية
المناسبة التي تتضمن معرفة الموضوع, والاستعداد للتحليل والتركيب, والفهم
الجيد للغة الأجنبية, وإجادة استخدام اللغة الأم, وإنشاء بطاقات مصطلحية
(13).
ومن البدهي أن سعي المترجم العلمي يحد كثيراً من
حريته في التعامل مع النص, ويطمس كل ما يدل على شخصيته. غير أن التزام
الدقة المتناهية شرط من شروط الترجمة العلمية. ويكفي البرهنة على ذلك أن
نذكر النتائج التي قد تترتب على الترجمة الخاطئة لبعض الرموز أو المصطلحات
العلمية أو المعادلات الكيميائية أو الرياضية أو لطريقة تركيب دواء ما أو
لطريقة تشغيل جهاز كهربائي ما.
أما المترجم الأدبي فإنه
يتمتع بقدر كبير من الحرية في التعامل مع النص الذي يترجمه, ويستطيع, على
الرغم من مراعاته الدقة والأمانة في الترجمة, أن يحذف شيئا هنا ويضيف شيئا
هناك لابل أن يركب الكلام وفقا للغة وقواعدها (14).
إن
المترجم الأدبي والمترجم العلمي مدعوان دائما إلى أن يكونا وفيين أمينين
للنص الأصلي, أي إلى تقديم نص مشابه ما أمكن, بحيث يتوهم قارئ الترجمة أنه
أمام النص الأصلي لا أمام ترجمته, أي أمام تعبير تلقائي وواضح, إذ إن
الترجمة, أو غايتها هي إعفاء القارئ من قراءة الأصل, وهي أيضا العلم والفن
الضروريان لتجاوز التناقض الكامن بين متطلبات الأمانة ومتطلبات الصياغة
المبدعة, بين نص النص وحرفيته من جهة وبين مغزاه ودلالته وروحه من جهة
ثانية. ولذلك فإن خيانة المترجم الأدبي, ليست خيانة طوعية بقدر ما هي
خيانة جبرية تفرضها طبيعة النص الأدبي والشعري على وجه الخصوص, وإنها قد
تتكرر في كل نوع من الأنواع الأدبية لأنها تلتقي عند انطلاقها من تجربة
ذاتية مكثفة, وظروف معينة, وبيئة خاصة, وثقافة مميزة.
و أما
صعوبة ترجمة النصوص العلمية والمتخصصة فتكمن في موضوع التخصص, والمصطلح,
وقواعد اللغة والأسلوب, فهي نصوص جافة تخلو من الجماليات والتنميق
والزخرفة خشية ضياع المعنى.
إن ترجمة المصطلح في غاية
الصعوبة لأنها ليست محصورة فقط في ابتكاره, وإنما أيضا في تعدد المصطلحات
للمرجع الواحد وذلك حسب نوعية النص العلمي والتقني الذي سنترجمه أولا ثم
لأن هذه المصطلحات قد تكون في النص المصدر الذي وردت فيه مصطلحا مترجما من
لغة أخرى ثانياً, فكم من مرة ترددنا في ترجمة Ordinateur إلى العربية, وفي
الاختيار بين "رتابة" و"منظملة" و "حاسب" و"حاسوب" و" كومبيوتر". وكم من
مرة شعرنا بأن الكلمات في بعض النصوص العلمية مستهجنة لأنها هجينة بالفعل,
لأنها ألفاظ لاتينية كتبت بأحرف عربية تخلو كليا من أي معنى يتصل باللغة
أو بالمادة التي نترجم منها, فقد باتت ولادة المصطلح العلمي العربي رهينة
بوجود المصطلح الغربي, وأمسى تداول المصطلحات العربية والخطاب العلمي بين
المختصين مرتبطا بدرجة تمكن المتلقي من المصطلحات الغربية ومفاهيمها وهذا
ينم عن أمرين اثنين: " أولهما أن الجهاز المصطلحي العربي يكاد يكون غربيا
في مفاهيمه وشبه عربي في صياغته, وثانيهما أن مهمة الفكر العربي ظلت
منحصرة في محاولة استيعاب المفاهيم العلمية الغربية ونقلها إلى العربية في
صورة قوائم مفردات جلها معرب تعريبا صوتيا لا أقل ولا أكثر"(15) وقد زادت
المعاجم المتخصصة هذه المشكلة تعقيدا بسبب عدم شمولية هذا المعجم أو
اختلافه مع معاجم أخرى في اعتماد المصطلح أو بسبب عدم شرح المصطلح وعدم
اختيار المقابل المناسب له أو في تبنيه بعض الحلول الغريبة كالنسخ البنيوي
الذي يقوم على تركيب لغوي لاوجود له في اللغة العربية (ذهبيك= aurique) ,
وتهجين طرائق النقل الذي يقوم على مزج طريقتين مختلفتين من أجل نقل
المصطلح العلمي الواحد, ومن ذلك مزج النسخ الدلالي والتعريب اللفظي, كما
في: مضاد الكلور antichlore , والنسخ الدلالي وتوليد كلمة جديدة , كما في:
تأكسد ذاتي autooxydation. (16)
إننا نفتقر نحن العرب إلى
دراسة تقوم على علم المصطلح Terminologie , وهو علم أساسي في التوصل إلى
ترجمة صحيحة دقيقة تنير القارئ عوضا عن تضليله أو إرباكه لاسيما في ما
يتعلق بالنصوص العلمية والمتخصصة.
و سنستعرض هنا الصعوبات
والعقبات التي ينبغي على المترجم العلمي أن يذللها في أثناء القيام بترجمة
النصوص الطبية بوصفها مثلا عن كل العلوم والصعوبات التي تواجه المترجم
أثناء عملية الترجمة. يمكن القول إن كلمات مثل إيدز AIDS أو سارس SARS أو
ألزهايمر Alzheimer أو مرض باركنسون Parkinson لم تعد مستهجنة في اللغة
العربية لأننا أصبحنا نستعملها بشكل دائم, لكن ذلك لاينفي وجود كلمات
ومصطلحات أخرى بعيدة كل البعد عن استعمالنا اليومي. و إننا نصطدم في
عالمنا العربي بمشاكل "نحت المصطلح", فلغة الاختراع هي لغة المخترع, لذا
ينبغي علينا أن نبحث عن مقابل في لغتنا يحمل معنى المصطلح في اللغة
الأصلية.
إن الطب مثلا جزء من حياتنا اليومية, ويستهوي
الكثير من الناس, لذلك فإن لغته تتطلب وضوحا تاما في المقام الأول لأن
الطب يعني من هم غير متخصصين في العلوم الطبية أيضا. ولهذا نرى أن اللغة
الطبية لغة اتصال فعالة, ومحددة, وتخلو من كل التباس, وتلبس فيها الكلمة
لباساً معنوياً واحداً. ومع ذلك, نقع أحيانا على كلمات أو مصطلحات أو رموز
غامضة ومستهجنة.
و لا بد أن المتابع للعلوم الطبية قد لاحظ
أن لغتها فرنسية كانت أو عربية تقع اليوم تحت تأثير الغزو الإنجليزي، لأن
هذه اللغة أصبحت اليوم لغة الاتصال العالمي, لذلك نرى أن بعض المصطلحات
العربية مأخوذة عن اللغة الإنجليزية كلياً أو جزئياً. ونعتقد أن المترجم
الذي يدرك كل الإدراك متطلبات هذه النصوص يقوم بخطوة واحدة على طريق الألف
ميل. لذا ينبغي عليه قبل البدء بعملية الترجمة أن يقوم بالبحث والتمحيص كي
يلم بكافة المصطلحات, وأن يفرق في استعمال اللغة استنادا إلى الجمهور
فيستعمل المصطلحات العامة إذا كان جمهوره من العامة والمصطلحات المتخصصة
إذا كان جمهوره من النخبة المتخصصة.
ومهما كان المترجم
عالما بأمور الطب إلا أنه ليس طبيباً, لذا ينبغي عليه أن يقوم ببحث شامل
مع كل نص طبي يترجمه, ويعتبر خائنا للنص المصدر إن لم يقم بذلك, بسبب عدم
معرفته بأمور الطب أو لأن تحصيله أقل في هذا المجال مما جاء في النص
المصدر. ويعاني المترجم أيضا من تعدد معاني الكلمة الواحدة, وعدم توافق
الكلمات المستخدمة والسياق, والاستعمال الخاطئ لبعض المرادفات, واستعمال
المختصرات الفرنسية أو الإنجليزية من دون تفسيرها, واستعمال كلمات علمية
لم يرد ذكرها في المعاجم المتخصصة, وذلك لأن اللغة في تطور دائم ولأن
وتيرة الإكتشافات أصبحت يومية, وهناك كلمات مستحدثة تولد وأخرى تموت كل
يوم.
زد على ذلك أن المترجم يصطدم بعقبة المعاجم التي كثيرا
ما تشبه لوائح كلمات ترد فيها المعاني الأجنبية مقابلة للمعاني العربية من
دون شرح أو تفسير, والتي ليست دائما محط تحديث وتطوير أو التي نقع فيها
على ترجمة حرفية أو على نقل للمصطلحات الأجنبية بحروف عربية لا يمت فيها
اللفظ إلى العربية بشيئ أو على بعض الأخطاء العلمية والإملائية (17).
وقد
تناول محمد المناصف قوائم المصطلحات الواردة في المعجم الموحد لمصطلحات
علم الصحة وجسم الإنسان من خلال قواعد اختيار المصطلح العلمي التالية:
مقاييس الاختيار اللغوية (تجنب الاقتراض, ومقاييس بنيوية, وتجنب الكلمات
العامية ), ومقاييس دلالية (تفضل الكلمة الدقيقة على المبهمة, وتفضل من
بين المترادفات أو القريبة من الترادف اللفظة التي يوحي جذرها بالمفهوم
بصفة أوضح, وتتجنب تعدد الدلالات), ومقاييس اجتماعية- لغوية (الاستعمال,
واحتكاك العامية بالفصحى, وجمالية اللفظ) (81).
ولحل مسألة
المصطلحات الطبية يمكن أيضا العودة إلى المعاجم القديمة كما جاء على لسان
جيرار تروبو Gérard Troupeau الذي اقترح كلمة هيضة التي تعني في أيامنا
هذه Choléra بينما كانت تعني في القديم indigestion , أو اعتماد كلمتين كي
نعني كلمة واحدة وذلك لعدم وجود جذر في هذه الكلمات أي (إلتهاب المفاصل=
arthrite) , وأخيرا وهو الحل الأخير والأكثر شيوعا استعمال الكلمة عينها
في اللغتين تيروكسينيميا= thyroxinemie. ويبقى أن اختيار الكلمات أو
المصطلحات المناسبة, وفك الرموز, وتفسير المختصرات لا تمثل كل العقبات
التي يصطدم بها المترجم أثناء الترجمة, فلايكفي أن يعرف ماذا ينبغي عليه
أن يقول بل عليه أن يعرف أيضا كيف يقوله, فترجمة النصوص الطبية أو العلمية
ممكنة, بشرط أن تقوم على أسس كتابة النص الطبي, وهذا الأخير ليس سوى مثل
عن كل العلوم والصعوبات التي يعاني منها المترجم أثناء عملية الترجمة.
وعلى الرغم من كل التطورات التي طرأت على ميدان الترجمة وتقنياته يبقى
المترجم عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه فهو من يقوم بالخيار الصحيح والصياغة
المطلوبة.
إننا نرى في الترجمة فنا, و علما, وتطبيقا.
فالترجمة موهبة, وممارسة, وحرفة, وبحث . الترجمة فن وحرفة وهذا ما تؤكده
المقالات والكتب العديدة التي تصدر باللغات العربية والأجنبية, والتي تحمل
عنوان "فن الترجمة" أو "حرفة الترجمة". و قد عدها بعض الكتاب فنا وحرفة في
آن واحد (19). الترجمة, على حد قول الدكتور محمد عناني, " فن تطبيقي", أي
حرفة لا تتأتى إلا بالتدريب والمران والممارسة, " استنادا إلى موهبة",
وربما كانت لها جوانب جمالية وإبداعية (20), لأن الإبداع هو أهم عنصر في
الفن. وهذا يعني أنه لا يمكن لأستاذ في اللغة والأدب, أو في كليهما, أيا
كان حظه من العلم بالفرنسية أو العربية (بل أيا كانت معرفته بنظريات اللغة
) أن يخرج لنا نصا مقبولا مترجما عن إحدى اللغتين دون "ممارسة طويلة
للترجمة". فلا توجد في رأينا طرق مختصرة للإجادة في الترجمة, فلا كتب
المتخصصين التي أشرنا إلى بعضها هنا, ولا الكتب العامة, ولا هذه الدراسة
بمغنية عن الممارسة والخبرة. وأقصى ما نستطيع أن نفعله - نحن المدرسين
والمترجمين- أن ننقل بعض علمنا وخبراتنا إلى طلابنا, وأن نقدم لهم بعض
الحلول التي اهتدينا إليها أو اهتدى إليها جيلنا, والتي سوف تمسها يد
التعديل مع التقدم والتطور الحضاري, إذ ليس هناك حل وحيد صحيح أو ترجمة
وحيدة صحيحة, فالنص نفسه قد يترجم عدة مرات, لاعتبارات متعددة منها رداءة
بعض الترجمات, وتطور العلوم الإنسانية واللغوية, والفائدة المضاعفة.
المصدر